لندن – كمال قبيسي
لا طارق بن زياد، ولا “البحر وراءكم والعدو أمامكم” ولا حتى سفينة واحدة تحترق على الماء، بل بجيش جنوده ملايين من اللاجئين، يعود العرب والمسلمون إجمالاً إلى غزو الجارة الأوروبية بسلاح إنساني رشيق، ومن دون قطرة دم في ميادين القتال. هذا ما يمكن استنتاجه من حديث وردت فيه “زلة لسان” بابوية الطراز، احتل خبرها المكان الأبرز بوسائل الإعلام أمس واليوم السبت.
العبارة بطعم “زلة اللسان” القوية، قالها بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، ثم استدرك وقعها، فتلاها سريعاً بثانية خففت من وطئها، حين وصف زحف اللاجئين وتدفقهم إلى أوروبا بأنه “غزو عربي” للقارة، وهو يتحدث إلى كاثوليك يساريين فرنسيين، زاروه في الحاضرة، وأتى في لقائه معهم على الطارقين أبواب أوروبا بحثاً عن عيش مستقر وآمن، ممن أوضحت أحدث أرقام نشروها أمس، واطلعت عليها “العربية.نت” من الوكالات، أن طلبات لجوء تقدموا بها إلى دول الاتحاد الأوروبي وحده، تضاعفت عما كانت عليه في 2014 ووصلت العام الماضي إلى مليون و200 ألف طلب، معظمها لمسلمين.
ما إن قال البابا: “ويمكننا الحديث اليوم عن غزو عربي لأوروبا، بأنه واقع حال اجتماعي” إلا وتنبه للعبارة ولم يتابع سياقها، بل قطعها وقال: “لكن موجات اللاجئين تعني أيضاً فرصاً جديدة لأوروبا التي شهدت في تاريخها موجات “غزو” كثيرة، فعبرتها متقدمة دائماً إلى الأمام، لتعود أكثر غنى بتنوع الثقافات” وفق تعبيره.
الكلمة ألقاها البابا الثلاثاء الماضي أمام 30 عضواً ومتعاطفاً مع تيار”الأسماك الوردية” الفكري الكاثوليكي من اليسار، والمعروف باسم Poissons Roses في فرنسا، وزاروه بمقره السكني في الفاتيكان، لكن كلمته لم تجد طريقها للعلن، إلا حين تم نشرها الجمعة بصحيفة L’Osservatore Romano (المراقب الروماني) شبه الرسمية، والناطقة بالإيطالية يومياً باسم الحاضرة الفاتيكانية، وأسبوعياً بخمس لغات أوروبية، مع لغة “الماليالامية” الخاصة بجنوب الهند، كما وشهرية بالبولندية، وفي موقعها اطلعت “العربية.نت” على ما قاله، ولم يرق لكثيرين أطلوا عبر مواقع التواصل منتقدين، وملمحين بأن كلامه دعوة إلى صراع الحضارات.
“أوروبا التي كانت أماً وأصبحت جدة”
ومما قاله فرنسيس الأول في كلمته، وهو الذي وصف المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب قبل أسبوعين بأنه “غير مسيحي” لنيته بناء جدران تمنع تدفق اللاجئين، بدلاً من بناء الجسور “إذا كانت أوروبا ترغب بتجديد شبابها، فعليها إعادة اكتشاف جذورها الثقافية” واصفاً تلك الجذور، بحسب ما طالعته “العربية.نت” في “المراقب الروماني” بأنها “الأقوى والأعمق في الغرب” والعبارتان حمّالتا أوجه بامتياز، لذلك فسرهما المنتقدون، إضافة إلى كلمتي “غزو عربي” في العبارة السابقة، بأنها دعوة لتعتمد أوروبا على خصوصياتها الثقافية بتجددها، لا على قيم وتصورات تقبل بأن تطل عليها من الخارج.
إلا أن Jean-Pierre Denis الشاعر والصحافي والكاتب الفرنسي، المعروف أيضاً كمدير دار La Vie للنشر في باريس ، شمّر عن ساعديه وأطل مدافعاً عن موقف البابا في مقابلة نشرها موقع صحيفة “لوموند” الفرنسية الجمعة، وفيها ذكر بأنه حضر اللقاء الذي وصفه بأنه كان إيجابي المناخ والموحيات “لكني منزعج جداً ممن فسروا كلام البابا فيه على غير حقيقته، فلا حل برأي البابا مع الإسلام إلا الحوار” كما قال.
وردد البابا في كلمته، عبارة قالها في خطاب ألقاه بنوفمبر 2014 في البرلمان الأوروبي، عن “أوروبا التي كانت أماً في الماضي وأصبحت جدة” حيث نسبة المواليد الجدد، وهي صفر تقريباً بإيطاليا وإسبانيا، تمنعها من العودة لأمومتها ثانية، وقال: “لتكون أماً، فعلى المرأة إنجاب الأطفال” لكنه اعترف بأن القارة لا يجب أن تكتفي بالتفوق العددي فقط.