زيارتنا لمزرعة إمارتس بيو فارمس EBF

إمارتس بيو فارم (EBF)، مزرعة عضوية مسجلة من قبل هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس ESMA وكذلك حاصلة على شهادة الزراعة العضوية  الألمانية KIWABCS.

المزرعة تقع في منطقة الشويب، العين، الإمارات العربية المتحدة على مساحة 250 ألف متر مربع قادرة على إنتاج أكثر من 40 منتج مختلف من الخضروات العضوية.

مزرعة إمارتس بيو فارم تقوم بزراعة وتعبئة وشحن خضروات عضوية معتمدة 100% دون أي إضافات أو أي مواد حافظة ولا يتم استخدام بذور محورة وراثياً ويتم حصاد جميع الخضروات في ذروتها وفقاً لخطة دورة المحاصيل, والتي تتم معالجتها في غضون من ساعة إلى ساعتين للحفاظ تماماً على  القيمة الغذائية والنكهة.

 

 

لزيارة موقع EBF انقر هنا

راشد بن سعيد.. رجل الدولة والعمران

المصدر:
عبد الغفار حسين


التاريخ: 12 نوفمبر 2018

بدعوة كريمة من سعيد الطاير العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، تشرفت بالاشتراك في ندوة عن حياة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مع كل من الدكتور الشاعر عارف الشيخ، والأستاذ علي عبيد الهاملي، والدكتورة رفيعة غباش التي أدارت الجلسة، ونظمت معرضاً يحتوي على صور تذكارية للشيخ راشد «رحمه الله».

وحيث إنني كنت أحد المتحدثين في هذه الندوة، فإنني أستعيد هنا في هذا المقال ذكرى هذه الشخصية الكبيرة التي رحلت عنا قبل ما يقارب ثلاثين عاماً، وبرحيله فقدت منطقة الخليج أحد أهم زعمائها وقادتها من رجالات الدولة الكبار، وأحد أهم مؤسسي العمران في منطقة الشرق الأوسط.

والذي رفع الشيخ راشد «رحمه الله» إلى هذه المنزلة من طبقة البناة الكبار في التاريخ العربي، إذا ذكر تاريخ البناة، أنه كان منذ البواكير الأولى لبروز شخصيته في الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم، كان قائداً تتجمع فيه صفات القيادة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، والقيادة تعني بالدرجة الأولى أن يكون للشخص مطمح يستهون من خلاله عظائم الأمور، ويمشي إليها بعزيمة وقوة نفس لا تخور، للوصول إلى هدفه، لأن صفة القيادة لا تلتصق هكذا عفوياً بالشخص دون أن يكون مستعداً لها ومتطلعاً إليها في قرارة نفسه.

صحيح أن الشيخ راشد بن سعيد، ابن حاكم، وأتاه الحكم وخلافة أبيه، ولكن كان ذا مواهب وقدرة، جعلته جديراً بهذه القيادة ومستعداً لها، كما ثبت بعد ذلك عندما انغمس في أمور الإدارة ووقف بجانب أبيه في الثلاثينات وهو ما زال في مقتبل العمر، يذب عن أبيه كيد مناوئيه ذباً فيه الحنكة، وفيه العمق في التخطيط السليم الذي يباغت الخصم ويفاجئه بتخييب آماله وإفشال خططه، وما يدبره من أمر.

وعندها، برز الشيخ راشد بن سعيد بروزاً لفت إليه الأنظار في كل منطقة الخليج، وخصوصاً الإماراتيين وأهالي دبي، وعندها أيضاً جاء دور والده سعيد بن مكتوم الحاكم النظيف والقدير صِنو الخليفة عمر بن عبدالعزيز في الزهد والتقوى، لكي يرى في فلذة كبده أنه ليس شاباً عادياً، بل إنه رجل دبي، وقائدها المستقبلي، ذو الكفاءة العالية لقيادة السفينة وتوجيهها نحو بر الأمان.. فألقى سعيد، وهو مطمئن النفس راضياً، بزمام الأمور إلى راشد، وأصبح راشد المدير والحاكم الحقيقي غير المعلن لدبي منذ الأربعينات من القرن الماضي.

وتأتي التجربة لتلقي على أكتاف راشد تداعيات الحرب العالمية الثانية التي ألقت بظلالها على النمو الاقتصادي لأقطار كثيرة في العالم وخاصة هذه البقعة، الإمارات، أو ساحل عمان كما كانت تدعى في السابق، وكانت المنطقة لتوّها قد دخلت أزمة اختناقية، وهي أزمة كساد اللؤلؤ الذي كان عماد العيش للناس، فتلاقت تداعيات الحرب مع أزمة اللؤلؤ، وشكل في الحقيقة مشكلة شديدة التأثير في الناس وعلى الحياة بصفة عامة في ذلك الوقت العصيب.. وهنا برزت شخصية راشد مرة أخرى كربان قدير يعرف كيف يدبر الأمور، ويتصرف إذا ما تعرضت سفينته للعواصف.

وكانت دبي كما هو معروف مركزاً من مراكز التجارة في هذه المنطقة، بل مركزاً مهماً لتجارة الصادر والوارد منذ مستهل القرن العشرين المنصرم، وبالذات منذ أن بدأت بواخر الشحن التجارية البخارية وبواخر الركاب القادمة من الهند، تأتي إلى هنا محملة بالبضائع عن طريق بومبي وكراتشي منذ عام 1903، وكذلك تأسيس البريد تأسيساً رسمياً منذ عام 1907، وبعد ذلك بدأت بواخر أخرى تأتي من أوروبا وخاصة من بريطانيا، وازدهر مطار دبي البحري، وكانت الطائرات تقلع من البحرين لتنزل في خور دبي في الجزء الشرقي منه، ثم إلى الهند (بومبي) وكراتشي، وأقامت شركة British Overseas Airway Corporate B.O.AC، وهكذا كان اسمها، وهي (British Airway الآن)، مطاراً صغيراً على ضفاف الخور، بالقرب من موقع جسر المكتوم الحالي، لخدمة الطيران، وكانت مناسبة أن يسافر المرحوم الشيخ سعيد بن مكتوم مع ثلة من رفاقه على إحدى هذه الطائرات البحرية، إلى بومبي عام 1945، لبعض المراجعات الطبية، واستضافه الوجيه السعودي المعروف محمد علي زينل الذي كان مقيماً في بومبي ويرأس الجالية العربية هناك، واحتفت بالشيخ سعيد بن مكتوم الجالية العربية.. وكثير من المواطنين المسلمين الهنود وغيرهم.

السنوات العجاف

وكانت سنوات الحرب كما ذكرنا سنوات عجافاً بالنسبة لكثير من أهالي الإمارات، وذهب كثير من الناس إلى كل حدب وصوب يبحثون عن عمل يسدون به رمقهم بعد أن كسد العمل تماماً في الغوص، وراحت الناس جماعات ووحداناً إلى البحرين والكويت والجزء الشرقي من السعودية في نهاية الأربعينات يبحثون عن عمل، وكانت هذه الأقطار الخليجية قد بدأت إنشاء منشآت لاستخراج النفط، بعد أن كان النفط الخليجي محصوراً في بقعة واحدة هي عبادان في خوزستان أو عربستان الإيرانية، واستطاعت هذه الأقطار الخليجية، أن تستعيض بالنفط عن تجارة اللؤلؤ التي كانت تعتمد عليه شأنها في ذلك شأن كل الخليج، ولكن ساحل عمان لم يكن له حظ في استخراج النفط وكان الإنجليز أصحاب الحول والطول لم يكلفوا أنفسهم في استدعاء شركاتهم لاستخراج النفط، والسبب في ذلك أن حاجتهم للنفط كانت مقضية من النفط المستخرج من إيران وبعض البلدان الخليجية التي وجد فيها، أو أوشك أن يخرج إلى الوجود، وكل ما فعله الإنجليز هو أنهم قيدوا الإمارات كل إمارة على حدة بسلسلة من المعاهدات النفطية التي تنص على حصول الإمارة على مبلغ زهيد مقطوع سنوياً وعلى امتياز للشركات الإنجليزية، لا حق لأحد باختراقه إلا بإذن منهم، واستمر الحال كما نعرف جميعاً على هذا المنوال حتى الإعلان عن اكتشاف البترول في أبوظبي في منتصف الستينات (القرن الماضي) بعد أن بدأ المرحوم الشيخ شخبوط بن سلطان حاكم أبوظبي آنذاك، يهددهم بأنه سيأتي بشركات أجنبية أخرى إن ترددوا في العمل على اكتشاف النفط، وبعد أن زادت حاجة الشركات الانجليزية إلى البترول، وبعد دخول الشركات المتعددة الجنسية إلى المنطقة، واستحواذها على أحد أهم أماكن استخراج النفط في الخليج.. عندما سقطت إيران في براثن التحالف المسيطر عليه من الولايات المتحدة، والقضاء على تطلعات الوطنيين الإيرانيين بقيادة الدكتور محمد مصدق الزعيم الوطني الإيراني المعروف.

دبي والتجارة

ولكون دبي كما قلنا اعتمدت على أن تكون محطة التجارة، ولكون الشيخ راشد أصبح لصيقاً بالتجارة ومدركاً لأهميتها واتخاذها أركاناً صلبة تقف عليها دبي، انصرف جل اهتمام الشيخ راشد إلى تنمية التجارة وتشجيع التجار على المضي قدماً في فتح أسواق جديدة لتجارة الصادر والوارد.. وكانت كل الوكالات التجارية يمثلها حين ذاك تجار من خارج دبي، من البحرين والكويت على سبيل المثال، وكان التاجر الدبوي يضطر إلى الاستيراد من الوكيل ويدفع على ذلك أرباحاً تجعل من البضاعة المستوردة غير معتدلة الثمن، أو أن تحمل إليه البضاعة من بلد المنشأ، ولكن بعد الاحتفاظ بعمولة كبيرة للتاجر الوكيل الذي يقيم خارج دبي.. وكان هذا الإجراء مجحفاً في حق التجار في دبي، ويجعل المجال أمام التجار لتنمية تجارتهم أمراً تعترضه العقبات، وهنا تفهم الشيخ راشد، رحمه الله، لهذا الظرف غير السليم، وقرر أن يجتمع بالتجار اجتماعاً متواصلاً ويقوي من عزائمهم على المنافسة والمطالبة من البلدان المنتجة أن تعطي وكالاتها إلى دبي رأساً دون وسيط، وقدم طلباً إلى ممثلي الإنجليز المقيمين للمساعدة، ولكن المساعدة لم تتحقق.

حيث كان الإنجليز يدعون أنه ليس من حقهم التدخل في هذا الشأن، ولكن الشيخ راشد واصل اتصالاته بالشركات التجارية في أوروبا وفي البلدان المنتجة، وكان يعطي للتجار رسائل إلى هذه الشركات يحثها فيها على الالتفات إلى دبي وتجارتها النامية، ووجوب اعتبارها مركزاً هاماً من مراكز التجارة في هذه المنطقة، وتيسير تخصيص وكالات رئيسية لتجار دبي، وحصل ما أراد راشد، واستفاد تجار عديدون من ذلك.. وأذكر أن من بين من صارع للحصول على وكالة رئيسية لمكائن بحرية المرحوم عبدالله قمبر، وكان الوكيل الرئيسي مقيماً في أحد بلدان الخليج، واستمر الصراع طويلاً، ولكن وقوف الشيخ راشد بجانب الوكيل المحلي حقق لعبدالله قمبر بغيته، وحصل على الوكالة الرئيسية، وكان حدثاً هاماً وبداية لكسر الاحتكار التجاري لدى الوكلاء من خارج الإمارات.

ومن هنا فإن دبي خلال سنوات الحرب لم تتأثر كما تأثر غيرها بفضل السياسة التشجيعية والانفتاحية التي ينتهجها الشيخ راشد بن سعيد، وكانت مواد الغذاء بالدرجة الأولى متوفرة تمام التوفير، وأقيمت في دبي مراكز التموين للناس بسعر معتدل وبطاقة تموين كان التجار الممولون يسجلون فيها الأهالي، ويأتي هؤلاء لاستلام التموين المقرر في كل من سوقي ديرة ودبي، وكان الشيخ راشد يهتم اهتماماً كبيراً بهذه المراكز وتوزيع المؤن، ويعتبرها جزءاً من خطته لتوفير الرفاه للقاطنين في إمارته، وكانت هذه سياسة الشيخ راشد بن سعيد، تمسك بها واتبعها حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي عندما أقعده المرض، إذ كان يشتري كميات كبيرة من الأرز والسكر من البلدان المنتجة أو عن طريق المستوردين، ويكلف البلدية بتوزيعها على الأهالي بسعر منخفض عن السوق بنسبة تصل إلى 50%، وكذلك كان «رحمه الله»، حريصاً على توفير اللحوم للأهالي في شهر رمضان كل عام، وبأسعار مخفضة أيضاً تشرف عليها البلدية.

وكانت دبي تصدر كميات هائلة من مواد الغذاء إلى السواحل الفارسية التي تعاني من النقص الغذائي بسبب الحرب.. كما كانت دبي هي السوق الرئيسية لمناطق ساحل عمان والباطنة الممتدة على الساحل العماني، وكان كيس السكر على سبيل المثال، الذي يكلف الدبويين مائة روبية تقريباً في ذلك الوقت بسبب الحرب، يهرب هذا السكر إلى إيران، ويباع هناك بمبلغ ثمانمائة روبية للكيس، وهذا مثلٌ لما كانت عليه دبي من حرية للوارد والصادر وعدم وجود القيود.

الاتجاه نحو التحديث

وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كان تفكير الشيخ راشد مهيأ للانتقال بدبي إلى مرحلة جديدة من العمران، مرحلة التحديث والتمهيد لبناء البنية التحتية التي لم يكن بإمكان البلاد السير نحو التحديث بدونها، وكذلك لم يكن بالإمكان تنمية التجارة إلى مستوى أكثر تقدماً إلا عن طريق توفير البنية التحتية.

وبانقضاء الحرب العالمية كما أشرنا، حدثت بعض الصدامات المسلحة الناجمة عن النزاعات الحدودية في أواخر الأربعينات، واستمرت هذه الصراعات السنوات الثلاث الأخيرة من أربعينات القرن الماضي، وكلف هذا الصراع الجوانب المتصارعة شيئاً كبيراً من المال وإهدار الطاقات، ولكن الشيخ راشد، رحمه الله، كان قوي الشخصية، وكان يستمد العون من حكمة المغفور له والده الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي آنذاك، الذي كان كما أشرنا حاكماً تقياً عابداً يراعي الحرمات، ويراعي الله في القول والفعل.. وموقف الشيخ سعيد المحب للسلام وحقن الدماء أدى إلى التصالح وإنهاء النزاع، ولعب الشيخ راشد دوراً بارزاً في تفادي كثير من تداعيات هذه المشكلة والاستمرار في خطة تنمية دبي والمضي في الطريق العمراني الذي اختطه لدبي بكل الإمكانيات المتاحة.

خور دبي

وكما كانت التجارة العمود الفقري الذي يتيح لدبي صحة سليمة، فإن خور دبي كان الشريان الذي يغذي هذا العمود بالدم، فالخور هو الميناء الطبيعي المميز الذي كان حيوياً لدبي ويجعل السفن تدخله في مأمن، ويتيح أن تقف على ضفتيه أعداد كبيرة من السفن، وعلى ضفتيه أقيمت الفرضة أو الميناء في بر دبي وديرة، كما أقيم مبنى للمراقبة وتسجيل سفن الشحن الداخلة إلى الخور في مدخله في رأس (الشندغة).

وكان أهالي دبي قبل تأسيس الميناء التجاري الرسمي عام 1901 في عهد الشيخ مكتوم بن حشر، يقيمون أبراج المراقبة على مداخل الخور، يتأكدون من السفن التي تدخل إلى خورهم، وكانوا يأخذون ضريبة بسيطة على السفن التي تأوي إلى الخور محتمية من الرياح والعواصف أو للتزود بالماء، وكانت المياه تأتي من الآبار المحفورة خارج المدينة، في البراحة على سبيل المثال، على ظهور الدواب وخاصة الحمير، بداية بالقرب المصنوعة من جلد الماشية، وفي مستهل العشرينات بدأ السقاؤون أو (الهاويّة) كما يطلق عليهم محلياً، يستعملون الصفائح (البيب) بعد أن تُفرغ من زيت (الكاز) القادمة من عبادان في إيران، حيث الآبار الأولى من النفط المنتج في الخليج.

وقد كان راشد بن سعيد على دراية كبيرة نتيجة لخبرته الواسعة واتصالاته المستمرة واليومية لشؤون الناس، ورأى أن تنمية دبي تعتمد اعتماداً أساسياً على وجود ميناء يستطيع أن يستقبل حمولات السفن القادمة إلى دبي من كل صوب، ولكن إقامة ميناء جديد كانت عملية شاقة ومكلفة، وقدر يومئذ مشروع بناء ميناء جديد خارج الخور لاستقبال بواخر الشحن، بحوالي خمسة ملايين روبية، الشيء الذي لم يكن لحكومة دبي طاقة به في ذلك الوقت إذ كان دخل الجمارك هو العمود الفقري للحكومة، وكان هذا الدخل لا يتجاوز مائتي ألف روبية شهرياً على أكثر تقدير، وهذا المبلغ لا يكفي لمصاريف الحكومة وإداراتها وكان الشيخ راشد يتغلب على هذه المشكلة بترشيد الإنفاق، تلك الرشادة التي عرف بها، بالإضافة إلى أن الشيخ راشد، رحمه الله، كان كأبيه وجده مكتوم بن حشر، بعيداً عن الملذات ويعيش حياة في غاية البساطة لا تختلف عن حياة أي إنسان عادي، وكان عفيفاً وتضرب بعفته الأمثال.

وبالتشاور مع التجار تم التركيز على القيام بمشروع أولي لتوسيع خور دبي وتعميقه لكي يستوعب السفن الكبيرة ذات الغاطس العميق التي لم يكن بإمكانها أن تدخل الخور، وبذل الشيخ راشد، رحمه الله، جهوداً كبيرة حتى تمكن من تحقيق ما كان يصبو إليه في هذا المشروع الحيوي والهام، وبدأ المشروع في منتصف الخمسينات (راجع كتاب المؤلف – قراءات في كتب من الإمارات – صفحة 49 وما يليها..)، وكان المشروع بحق كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عند إعلان سموه عن مشروعاته العمرانية.. «كان مشروع توسيع الخور وتعميقه، هو المشروع الأول الذي دفع بدبي إلى استيعاب التطور الذي حدث في الخمسين سنة التالية، وها نحن في مستهل سنة 2000، نضع اللبنات الأولى للدخول بدبي إلى الخمسين سنة المقبلة».

وفي ذلك الوقت من منتصف الخمسينات كان الشيخ راشد قد فرغ من إجراء تحديث إداري في الجمارك وبدأ بحفر الخور الذي كان بداية لوضع دبي على الخارطة العالمية للموانئ الكبيرة في الخليج والشرق الأوسط، وأسس المحاكم والشرطة الحديثة، وأسس البلدية على النظم العصرية بوجود مجلس بلدي يمثل جميع شرائح المجتمع الدبوي ودائرة تسجيل الأملاك والأراضي وشجع قيام الشركات المساهمة، وانبثق من هذا التشجيع شركات الكهرباء والتليفون، وبعد ذلك شركة مساهمة باسم بنك دبي الوطني.

ولم تكد دبي تصل إلى بدايات الستينات من القرن حتى بدأت تظهر للعالم كمدينة خليجية جديدة متطورة تشد الانتباه ويأتيها الناس من كل حدب وصوب بعد أن أصبحت مشاريع البنية التحتية تصل إلى مراحل الاكتمال.

وتميز الشيخ راشد بن سعيد بين الكثيرين من القادة بالأناة والصبر ومجابهة الخطوب بالعقلانية والبعد عن الانفعالية، وبعد النظر في تحليل الأمور، وقد وصفه شاه إيران بأنه في مقدمة زعماء العرب في بعد النظر، وعندما وصف شاه إيران الشيخ راشد بهذه الصفة كان الشيخ راشد حاكماً لإمارة صغيرة في الخليج، وكان الشاه في أوج قدرته كأحد أكبر الزعماء في الشرق الأوسط، ويدل وصف الشاه للشيخ راشد بأنه «رحمه الله» لم يكن شخصية عادية؛ وعندما انتشر خبر وفاته، رحمه الله، كانت هناك جلسة عامة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأخبر رئيس المجلس الأعضاء بالنبأ فوقف الأعضاء دقيقة حداداً على رحيل هذا الزعيم الكبير، ويُعتبر هذا الحدث أوّل حدث من نوعه في الأمم المتحدة على زعيم لم يكن رئيس دولة، وهذه دلالة على أن الشيخ راشد لم يكن زعيماً عادياً، بل كان، رحمه الله، سياسياً محنكاً وحريصاً على الاحتفاظ بعلاقات حسنة مع الدول الإقليمية في الشرق الأوسط وزعمائها.

ومن دلائل بعد النظر الذي كان يتمتع به الشيخ راشد، هو نظرته إلى ابنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وكان لا يحضر اجتماعاً سياسياً أو عمرانياً أو اقتصادياً إلا وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يجلس بجانبه ويشترك فيما يدور، وبهذا كان الشيخ راشد بن سعيد بعيد النظر وكأنه كان يقرأ المستقبل بأن ابنه هذا سيكون له شأن ويصبح أحد الزعماء في العالم الذي يثير انتباه الناس، وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يحقق نظرية أبيه وأمنيته ويكون خير خلف لخير سلف.

نقل من جريدة البيان

المتنبي مدرسه وادب

المتنبي ولد في العراق وعاش بسوريا و مصر
في القرن الرابع الهجري

كل ما قاله مازلنا نستخدمه ولم يترك اي موضوع
هو القائل : مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ.

وهو القائل : على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ.

وهو القائل : وكلُّ الذي فوقَ الترابِ ترابُ.

وهو القائل : ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ ✰ تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ

وهو القائل : لا يَسلَمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى ✰ حتى يُراقَ على جوانبِهِ الدَّمُ

وهو القائل : إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكْتَهُ ✰ وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا

وهو القائل : أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سـرْجُ سابِحٍ ✰ وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ

وهو القائل : ذو العقلِ يشقى في النعيـمِ بعقلهِ ✰ وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ يَنْعَمُ

وهو القائل : فلا مجدَ في الدنيا لمن قلَّ مالُهُ ✰ ولا مالَ في الدنيا لمن قلَّ مجدُهُ

وهو القائل : خليلُكَ أنت لا مَن قلتَ خِلِّي ✰ وإن كثُرَ التجملُ والكلام

وهو القائل : ومِن العداوةِ ما ينالُكَ نفعُـهُ ✰ ومِن الصداقةِ ما يَضُرُّ ويُؤْلِمُ

وهو القائل : وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ✰ فهي الشهادةُ لي بأني فاضلُ

وهو القائل : مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهوانُ عليهِ ✰ ما لجرحٍ بمـيِّتٍ إيلامُ

وهو القائل : وإذا لم يكنْ مِن المـوتِ بـدٌّ ✰ فمن العجزِ أن تكون جبانـا

وهو القائل : إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومٍ ✰ فلا تقنعْ بما دون النجـومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقـيرٍ ✰ كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ

وهو القائل : وعَذلتُ أهلَ العشقِ حتَّى ذُقْـتُـهُ ✰ فعجِبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ

وهو القائل : فقرُ الجهولِ بلا قلبٍ إلى أدبِ ✰ فقرُ الحمارِ بلا رأسٍ إلى رسنِ

وهو القائل : ومرادُ النفوسِ أصغرُ من أن ✰ نتعادى فيه وأنا نتفـانـا

وهو القائل : وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ✰ ولا الأمن إلا ما رآ الفتى أمنا

وهو القائل : وإذا كانت النفوسُ كبـارًا ✰ تعبت في مُرادِها الأجسام

وهو القائل : إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا ✰ فأهونُ ما يمر به الوحول

وهو القائل : فحبُّ الجبانِ النفسَ أوردَهُ التُقى ✰ وحبُّ الشجاعِ النفسَ أوردَهُ الحربا

وهو القائل :
أغايةُ الدينِ أن تَحفوا شواربكـم ✰ يا أمةً ضحكت من جهلِها الأممُ

وهو القائل عن نفسه :
وما الدهرُ إلا من رواةِ قصائدي ✰ إذا قلت شِعرًا أصبح الدهرُ مُنشدا

والقائل : لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي ✰ وبنفسي فخرتُ لا بجدودي

والقائل : أنا الذي نظـرَ الأعمى إلى أدبي ✰ وأسـمعتْ كلماتي مَن به صممُ
فالخيــلُ والليلُ والبيداءُ تعـرفُني ✰ والحربُ والضربُ والقرطاسُ والقلمُ
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ من شرفي ✰ أنا الثُّريــا وذانِ الشيبُ والهـرمُ

والقائل : ومِنْ جاهلٍ بي وهو يجهلُ جهلَهُ ✰ ويجهلُ علمي أنَّهُ بي جاهـلُ

والقائل : ليس التعللُ بالآمالِ من إربي ✰ ولا القناعةُ بالإقلالِ من شيمي

✰ ✰ ✰

معظم هذه الأشعار سارت مسرى الأمثال على ألسنة الناس.

يُؤفك عنه مَن أُفك

بقلم الدكتور: أيمن رشدي سويد

هل تعرف معنى الآية في قوله عز وجل:
” يُؤفك عنه مَن أُفك “؟

(ووالله إني لأحوجكم لها أسأل الله أن يعينني وإياكم على تطبيقها)

ووالله إني لأستحي من الله في إرسالها.. لعلمه بحالي …

ولكن لتيقني بأنكم خير مني..

قال تعالى :
” يُؤفك عنه مَن أُفك ”
أي يُصرف عن القرآن مَن صرفه الله عقوبةً له بسبب ذنوبه وإعراضه عن الله..

ياإخوتي …:
من لم يبدأ بحفظ القرآن فليبدأ!
ومن أهمل مراجعته فليستدرِك!
ومن لم يكن له ورد من القرآن فليحرص عليه!
ولتصبر و لتُصابر…
فإنّ لحفظ القُرآن و ضبطهِ وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار لذّة تُنسيك تعب المُجاهدة .
اهرب من زحمة انشغالك
واختطف دقائق من وقتك ..
قم من نومك …
لعلك تلحق بركب الأوابين
وتنعم بلذة العابدين
واسجد واقترب .
اجعل لنفسك ..
ورداً من القرآن ..
لا تتركه مهما كان ..
واجعل لك تسبيحات دائمات
في كل يوم ..
سبّح ..
واستغفر ..
وهلل ..
وصلّ على النبي ..
صل الله عليه وسلم ..
ادع لنفسك ..
ولوالديك ..
ولمن تحب ومن لاتحب
كونوا سبباً في تذكير الكثيرين!

من بركة القرآن أن الله يبارك في عقل قارئه وحفظه.
فعن عبد الملك بن عمير :
( كان يقال أن أبقى الناس عقولا قراء القرآن )

وفي رواية :
( أنقى الناس عقولا قراء القرآن )

وقال القرطبي :
من قرأ القرآن متع بعقله وإن بلغ مئة !

وأثبتت الدراسات العلمية أن حفظ القرآن وقراءته فيها تقويه للذاكرة !

أوصى الإمام إبراهيم المقدسي تلميذه عباس بن عبد الدايم رحمهم الله :
( أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه، فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ ).

قال ابن الصلاح :

(ورد أن الملائكة لم يعطوا فضيلة قراءة القرآن وهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس !

فقراءة القرآن كرامة أكرم الله بها الإنس).

قال أبو الزناد :
(كنت أخرج من السحر إلى مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم فلا أمر ببيت إلا وفيه قارئ ).

قال شيخ الإسلام :
( ما رأيت شيئا يغذّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى ! ).

تعلّق بالقرآن تجد البركة
قال الله تعالى في محكم التنزيل: “كتاب أنزلناه اليك مبارك”
وكان بعض المفسرين يقول :
(اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا ).

اللهم إنا نسألك أن تلزم قلوبنا حفظ كتابك ،
وترزقنا أن نتلوه ونتدبره على الوجه الذي يرضيك عنا…..
ونعمل به

لا تنشغل عن وردك ،
فوالله لهوَ مصدر البركة في يومك إن أخلصت النية لله .القرآن ليس فى رمضان فقط رب رمضان رب كل الشهور …….
انشر لمن تحب غفر الله لك

شروط تأهيل الأسد!

السياسة مضادة للعاطفة، وحتى تفهم مسار السياسات، لا بد من البعد عن العواطف. هناك الآن ما يشير إلى تأهيل بشار الأسد في سوريا، هذا ما يتناوله المعلقون في الغرب، الذين حصلوا على شيء من المعلومات المسربة من قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يوم الاثنين 16 يوليو (تموز) الحالي. ولأن الاتفاق حدث بين «الكبار»، فهو أولاً لصالحهم، وعلى حساب جميع اللاعبين الآخرين. واضح من تطور الأحداث أن النظام العالمي يتغير، من تحالف القيم إلى تحالف المصالح. صلب الموضوع هو ما يراه الرئيس ترمب في العلاقة مع روسيا، ليس الآن ولكن منذ الحملة الانتخابية، فهو يسعى «لتحالف الكبار» حتى لو كان على حساب الحلفاء التقليديين. فالعلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن تكون سوية وفي حالة تعاون وثيق. وعلى الرغم من حالة الارتباك لدى كثير من السياسيين الأميركيين حول «العلاقة بين إدارة ترمب وروسيا» التي يصفها بعضهم بأنها تواطؤ، وآخرون يصلون إلى توصيفها بأنها فعل «خيانة» للمبادئ التي تؤمن بها أميركا، فإن ترمب يعطي الجميع الأذن الصماء، ويعتقد أنه وبوتين يمكن أن ينظما العالم ليرقص على الأنغام التي يختارانها! وقد مهد لذلك في أكثر من مناسبة، آخرها قمة الناتو 11 – 12 يوليو.
في الشرق الأوسط، هناك لاعب مهم يعمل الطرفان على عدم إغضابه، إن لم يكن إرضاءه، هو إسرائيل. وقبل أيام من عقد قمة هلسنكي، كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في موسكو للاجتماع ببوتين (الرجلان اجتمعا تسع مرات خلال الثمانية عشر شهراً الماضية). وبعد ذلك الاجتماع صرح نتنياهو: «ليست لدينا مشكلة في التعاون مع نظام الأسد في سوريا في المستقبل»، على العكس تماماً من مطالباته السابقة والمتكررة «بضرورة تغيير النظام».
الاتفاق الأميركي – الروسي حول سوريا هو تقريباً الآتي: لا مانع من وضع سوريا تحت الوصاية الروسية، على أن تضمن ابتعاد قوات الأسد عن الحدود الإسرائيلية، وخروج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من سوريا، وتوقيع اتفاق سلام دائم (سوري – إسرائيلي) في المستقبل، برعاية الطرفين (الدولة السورية في حالة حرب معلنة مع إسرائيل منذ عام 1948)، على أن تُقدم ترضية إلى إيران، أولاً معنوية من خلال إعلان أن طهران قد أنهت مهماتها هي و«حزب الله» بـ«انتصار بقاء الأسد»، فلا حاجة لبقاء قواتهم هناك، وثانياً ترضية مادية، حيث أعلنت روسيا أنها سوف تستثمر بشكل مباشر، خمسين مليار دولار في صناعة الغاز والنفط الإيرانية، كما وضعت روسيا على الرف (لعدم إزعاج إسرائيل) خططها المعلنة لتزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي «إس 400» التي كان من الممكن أن تردع إسرائيل عن استهداف القوات الإيرانية والحليفة لها في الأراضي السورية!
تركيا، اللاعب الآخر في الساحة السورية، تهرول خلف روسيا، لعل بعضاً من النتائج الإيجابية في الاتفاق يصل إليها. همها الكبير تحجيم أي قوة كردية مسلحة تزعج حدودها الجنوبية. ويبدو أن ذلك متاح بالقدر الذي يطمئن تركيا للتعاون في تنفيذ الخطة المقترحة.
الخطوط الحمراء الجديدة لترمب هي «إخراج إيران وحلفائها من سوريا» كما قال في هلسنكي في المؤتمر الصحافي: «لن نسمح لإيران باستثمار انتصارنا على (داعش)». في الوقت نفسه تتمكن الإدارة الأميركية من سحب الألفين أو حولهما من القوات الخاصة في سوريا، ولا مانع من ترك سوريا بجانب أوكرانيا منطقة نفوذ لروسيا؛ لأن سحب القوات يعزز من انتصار الجمهوريين في الانتخابات النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم. فقد قال مستشار الرئيس ترمب، جون بولتون: «إن بقاء الأسد في حكم سوريا لم يعد قضية استراتيجية للولايات المتحدة»، هذه التصريحات في تناقض تام مع سابقاتها، فحتى أبريل (نيسان) الماضي، كان ترمب يصف رئيس النظام السوري بـ«القاتل»، كما شن ضربات جوية، بجانب بريطانيا وفرنسا، في الشهر نفسه، على مناطق سورية عسكرية! تغيير جذري في الموقف الغربي بكامله، وتناسٍ لبحور الدم التي تسبب فيها النظام لشعبه. فمن أجل وقف القتال الذي استمر سبع سنوات في حرب أهلية ضروس، أميركا وروسيا وإسرائيل تتفق على حل في سوريا اسمه «بقاء نظام الأسد»! بعد تجريده من «أوهام المقاومة».
الدعم الأميركي لبعض القوى السورية يتراجع، فالإدارة كما وعدت الناخبين، لن تدخل في حروب، خاصة في الشرق الأوسط، الذي شهد كثيراً من الضحايا من الجنود الأميركيين. كما لم تعد أميركا بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، لتبقى أعينها مفتوحة رصداً للتطورات فيه، الأمر الذي يعني الوصول إلى اتفاق (يقع في خانة الفوز للقطبين الأميركي والروسي)، فروسيا يمكنها أيضاً أن تحتفظ بقوة بحرية في البحر الأبيض الدافئ، كما حلم القياصرة منذ زمن طويل!
على الرغم من الحرب الكلامية المشتعلة بين أميركا وإيران، وتغليظ السباب بينهما، فإن استراتيجية الأولى هي الضغط على الثانية من خلال المقاطعة الاقتصادية، التي سوف تنشط بعد أسابيع من اليوم، وعلى درجات متصاعدة. أما الحديث عن اشتباك عسكري بين الطرفين، فقد ترك ليلهو به السذج من السياسيين. إن المقاطعة الاقتصادية مهما اشتدت، فليس بالضرورة أن تغير النظام الإيراني، يمكن أن تضعفه، ولو أن احتمال التغيير قائم، إلا أن الاحتمال الآخر أن يقوم الإيرانيون بترضية ما لأميركا، كما فعل الكوريون الشماليون، من خلال الموافقة، من خلال طرف ثالث، قد تكون إحدى الدول الأوروبية، على بعض الشروط المعلنة، منها الانسحاب «الانتصاري» من سوريا، والتخلي عن دعم الحوثيين في اليمن، ولن يفقدوا كثيراً من الحجج عند قيامهم بذلك.
في حسابات الربح والخسارة السياسية حتى الآن، نجد أن إسرائيل هي الرابحة، فلها الاحتفاظ بالجولان كأرض إسرائيلية، وسحب الذريعة من كل من إيران و«حزب الله» في التوجه إلى العسكرة والتحشيد ضدها، فلم يعد أحد قادراً على ذلك، كما أن روسيا تحتفظ بأوراق رابحة، بعد كل الاستثمار العسكري الذي بذلته على الأرض السورية، ويستطيع ترمب أن يعلن انتصاره على الإرهاب ونجاحه في دعم إسرائيل، ومنع التوسع في إرسال الجنود الأميركيين إلى الخارج، وكلها أوراق رابحة في الانتخابات النصفية القادمة! الخاسر الكبير هو معسكر إيران وحلفائها، فقد انتزعت ورقة التوت التي كانت تسمى «مقاومة الشيطان الأكبر وإسرائيل»، فلم يعد لها منفذ بعد أن أصبحت سوريا محمية روسية، تضمن روسيا هدوءاً كاملاً للجبهات حولها.
أمام هذا السيناريو الذي وضعت خطوطه العريضة في هلسنكي، يتراجع تدفق المهاجرين إلى الدول المحيطة بسوريا، وإلى الغرب أحياناً الذي يضج من نزوحهم؛ إلا أن القصة لا تنتهي هنا، فبقاء الأسد في السلطة، وإن بدا دائماً، إلا أنه بالضرورة مؤقت، حتى ترتيب البيت السوري، الذي سوف يشهد نشاطاً سياسياً حميماً على وقع المايسترو الروسي من أجل تغيير تدريجي، يضمن لروسيا البقاء، كما يضمن لإسرائيل توطيد الحدود بكاملها، ويؤمن لأميركا مصالحها.
تلك هي الخريطة التي تبين بعض تفاصيلها حتى الآن، والاحتمالات الممكنة في المدى القصير. كل ما يمكن تلخيصه أن الشرق الأوسط بالذات قبل قمة هلسنكي سيكون غيره بعدها!
آخر الكلام: قد تنتج خطة السلام المقترحة في سوريا كما اتفق عليها الطرفان الأميركي والروسي، دينامياتها الخاصة؛ لأن الفواعل الأخرى سوف تتدخل من أجل تغيير في السيناريو المعد، ودون رضاء من شرائح واسعة من الشعب السوري، سوف تبدو الخطة وكأنها عمياء!

نقل من: جريدة الشرق الأوسط
السبت – 15 ذو القعدة 1439 هـ – 28 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14487]

وداعاً فتاة العرب

تعتبر الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي امرأةً متفردة في زمنها، إذ وهبها الله علماً واسعاً استطاعت من خلاله نظم الشعر بإسلوبٍ فذ ومقدرةٍ عجيبة؛ جعلتها احدى أبرز نساء الشعر في العصر الحديث.

سُميت تيمناً بجدة والدتها عوشة بنت المر بن حريز الفلاسي التي تكون أخت الشيخ بطي بن سهيل بن مكتوم حاكم دبي (1906 – 1912) من جهة الأم.

درست في طفولتها القرآن على يد الشيخ محمد سميع، ودرسوا معها عدداً من أفراد الأسرة الحاكمة ومنهم سمو الشيخة حصة بنت محمد آل نهيان رحمها الله، وغيرهم.

كانت بدايات ابنة خليفة في الشعر في نحو سن الثانية عشر، وذلك بعدما رأت في منامها أن البدر نزل عليها من السماء ودنى منها إلى أن ابتلعته، فأخبرت والدها برؤياها فسأل الشيخ علي بن بطحان عن تفسيره فقال سيرزق الله عوشة علماً يضيء كما أضاء القمر.

والجدير بالذكر أن عوشة ترعرعت بين كنف أسرتين كانتا على مستوى عالٍ من العلم والثقافة، فكان لوالدها مكتبةً كبيرة تملؤها الكتب الدينية والأدبية والكثير من الدواوين الشعرية لمعظم شعراء الجزيرة العربية، مما جعلها تتأثر بعمالقة الشعر أمثال: القاضي، والهزاني، والمغلوث، والشيخ عبدالرحمن المبارك، والعقيلي وغيرهم.

وقد لاقت عوشة معارضةً شديدة من الأهل لدرجة تكسير الأقلام لمنعها من كتابة الشعر إذ أن المجتمعات الخليجية المحافظة لا تسمح للمرأة بقرض الشعر وتدوينه. ولكن جدها الوجيه أحمد بن خلف العتيبة شجعها على المضي في موهبتها الشعرية وقال بأنها موهبة خصها الله بها فلماذا تحرمونها منها، فقد كان نفسه شاعراً ومحباً للشعر.

كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو من اختار لقب “فتاة العرب” للشاعرة عوشة بنت خليفة؛ وذلك حين قال:

فتـاة العـرب وانتوا لها خير عنوان
ومن غيركم باقصد معاني نشدها

هي الشاعرة: عوشة بنت خليفة بن الشيخ أحمد بن خليفة بن خميس بن يعروف السويدي، المنتمية إلى فرع الزمازمة من قبيلة السودان.

تزوجها ابن عمها راشد بن محمد بن الشيخ أحمد بن خليفة السويدي وأنجب منها: السيّدة الفاضلة حمدة بنت راشد حرم السيّد خلف بن أحمد بن محمد بن خليفة الحبتور المنتمي إلى فرع الرواشد من عشيرة المرر.

والدتها هي حمدة بنت أحمد بن خلف بن عبدالله بن عتيبة المنتمية إلى عشيرة المرر، وجدتها من جهة الأم هي آمنة بنت سلطان بن مجرن المري ابنة شيخ العشيرة، ووالدة جدتها هي عوشة بنت المر بن حريز الفلاسي خالة المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وجدة جدتها (والدة عوشة بنت المر) هي الفارة بنت سرور بن سيف بن صقر القمزي التي تكون كذلك والدة الشيخ بطي بن سهيل بن مكتوم حاكم دبي بين عاميّ (1906 – 1912م).

أما جدتها من جهة الأب فهي ميرة بنت خلف بن عبدالله بن عتيبة المري، ووالدة جدتها هي موزة بنت محمد بن عتيبة.

رحم الله عوشة بنت خليفة رحمةً واسعة، نسأل الله أن يغفر لها ويرحمها ويرزقها جنات النعيم.

المصدر:
حساب الــمـــوروث

ثمن الجهل

هل للجهل ثمن؟ ومَن فكَّر فينا على المستوى الشخصي، والمستوى الوطني أن يحسب «تكلفة الجهل»؟ وأنا أراقب ما يحدث في جنوب العراق من انتفاضة واسعة ضد كل الحيف الواقع على المواطن العراقي العادي، تداعى إلى ذهني أن معظم ما نعاني منه في منطقتنا العربية، وما ندفعه من أثمان باهظة من الفرص الضائعة للتنمية والتطور والاستقرار، وما نلاقيه من العنت السياسي، سببه الرئيسي هو الجهل. الجهل له ثمن، وهو ثمن أكبر بكثير من مردود العلم. لقد قام صدام حسين بإدارة العراق بطريقة «جاهلة» فاختصر العراق في زعامته وشخصه، وفشل فشلاً ذريعاً في إنشاء مشروع نهضوي للعراق، ونعرف النتيجة التي وصل إليها هو ونظامه. ومن الخطأ تسمية البيروقراطية القمعية في العراق «نظاماً»، كانت ربما نظاماً «قهرياً»، وجاء من بعده نظام يعتاش على أفكار للدولة دعوية وضبابية، وشعارات باهتة الألوان، لكنها لم تُطعم العراقيين لا راحة ولا خدمات ولا حتى أمناً، فجاءت انتفاضة الجنوب التي راقبناها الأسبوع الماضي، وهي سلسلة سوف تتفاقم في المستقبل، وإن هدأت لفترة، وتأخذ أشكالاً قد لا نتوقعها اليوم، لأن هناك في الحكم العراقي الحالي (أنا أستخدم المفاهيم بشكل مجازي)، من ليس لديه مشروع للدولة الحديثة؛ بعض القوى لديها مشروع غامض، هو أن تتبع ما يقوم به حكام إيران من سياسات، في تغييب عقل الناس، فهناك ولاية فقيه، أيضاً منزوعة من المشروع الحديث للدولة، وهنا «مرجعية» ليست لها علاقة بنظام حكم حديث، فالعراق بين «نصوص» في الدستور شبه حديثة ولكن معطَّلة، وبين ممارسة «شبه قمعية» متعددة الرؤوس، فالمشوار إلى دولة حديثة تعددية ومدنية، يُحترم فيها الموطن ويسود القانون العادل على الجميع، لا يزال طويلاً، وسوف يكون معبَّداً بانتفاضات وقلق دائم، وغياب الأمن ومعه التنمية، مع نقص مزمن في الخدمات الحديثة من مياه نظيفة وكهرباء دائمة ومدارس وفرص عمل! في سوريا الأمر وإن اختلف في الشكل، فهو في العمق متشابه، حكم أفضل ما يستطيع أن يقوم به هو خلق أجهزة رقابية تحصي على الناس أنفاسهم، أدخلت سوريا في حرب أهلية ضروس، نعرف كيف بدأت، ولا نستطيع أن نتكهن كيف ستنتهي، أما ما هو أمامنا، فهو خرائب، ومدن وهجرة قسرية، وأمان تام على الحدود مع إسرائيل، التي ضجّ إعلام النظام بـ«مقاومتها»! عجيب أمرنا نحن العرب في هذا العصر، هناك إصرار على تقديم الجهل في إدارة المجتمعات على العلم. كنت وما زلت أستغرب أن يحكم شعباً عربياً ولأربعين عاماً متوالية شخص مثل معمر القذافي، لا أقصد هنا التعليق على الشخص، فالموت عندي له حرمته، ولكنّ شيئاً ما يجب أن يبحث في «عقلنا السياسي» ليبرر قبول شعب متحضر فيه عدد كبير من المتعلمين والراشدين، طوال هذه المدة، بشخصية «ملتبسة» في السلوك وفي الأفكار وفي التعامل الداخلي والخارجي، ويبدو في الواقع أنه منقطع عن العالم، مصاب بهلوسة «ملك ملوك أفريقيا»! ولم أكتب هذا الآن لأنه اختفى عن المسرح، ولكني أشرت إليه في وقت سابق، عندما كان الرجل في السلطة، واقتطفت وقتها شعاراً سياسياً ليبياً انطلق أيام الملك إدريس السنوسي، حيث سارت المظاهرات تقول «إبليس ولا إدريس» وقلت بالحرف الواحد «يبدو أن الله قد استجاب لدعائهم»! لقد ترك الرجل بلاداً غنية بالموارد تخوض في الفوضى، كنت وغيري في حيرة؛ كيف يمكن لعقلاء من الإخوة الليبيين أن يخدموا على أعلى مستوى سياسة هذا الرجل القريب إلى العته؟! وهكذا فإن الجهل في إدارة المجتمعات مستمر في أركان كثيرة من عالمنا العربي، خذْ مثلاً هذا الكم من «الدعاة»، حراس الأفكار العتيقة الذين يعتقدون أنهم يمثلون أو ينطقون باسم الإسلام، الدين العظيم الذي يعتنقه ملايين من البشر، باختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وطريقة حياتهم! يقدمون الإسلام وتعاليمه على أنها أساساً «زهدٌ في الدنيا»، وينشرون الأفكار الغيبية والخرافة، مع أن مقصد الإسلام هو إعمار الأرض.
الأمر يحتاج من الجميع إلى التوقف للتفكير في الكثير من تصرفاتنا سواء الشخصية أو العامة التي تناصب العقل السليم العداء، وتبحر في الجهل عند اتخاذ القرار، وتستصغر التفكير العلمي. لقد ابتُليت مجتمعاتنا بقيادات مقتنعة بأنها «تفهم أكثر من كل الشعب» و«لا أُريكم إلا ما أرى» وشعارها «أنا أريد، من يستطيع أن يقول لي لا…؟»، بمثل هذه القيادات البعيدة عن فهم آليات التفكير العلمي، وطرق التنظيم الحديث في إدارة المجتمعات، أوقعت شعوبها في صراعات نتج عنها الفقر والفاقة والحروب. لست من المقتنعين كثيراً بأن «الحكم الديكتاتوري» بالمعنى العام، هو سبب التخلف للشعوب، ولكن تخلف الشعوب ناتج عن «حكم الجهل»، فهناك ديكتاتوريات بألوان مختلفة قدمت لشعوبها التنمية ووضعتها في صدارة الشعوب الحديثة، واستبدلت بـ«شرعية التمثيل»! «شرعية الإنجاز»، مثلاً الصين بلاد لا يمكن وصفها بالديمقراطية، إلا أن الحكم هناك لديه مشروع، وهو بشكل عام «خدمة المجتمع ورفاهيته»، فتقدمت اقتصادياً، وفي مكان آخر في بعض بلدان أفريقيا أيضاً، لا يمكن توصيفها بأنها «ديمقراطية» بالمعنى الحديث للمفهوم، ولكنها استطاعت أن تقدم مشروعاً وطنياً، رفع من دخل المواطن في المقام الأول، وحسّن الخدمات المقدمة إليه من تعليم وخدمات صحية وبنية تحتية، الفرق في استعراض كل تلك التجارب أن هناك بلاداً يحكمها السعي لهدف محدد ومشروع للنهضة، وهو إنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية القائمة على خطط علمية ويتم تنفيذها بكل قدرة بعيداً عن الكثير من الفساد، وأخرى، بصرف النظر عن الشكل الخارجي للنظام، تفتقر إلى الخطط المبنية على العلم لإنجاز المهمات الوطنية من خلال مشروع مستقبلي مقنع، وتركن إلى الشعارات والخرافات، وهي شعارات سياسية واجتماعية وثقافية، مبنية على الجهل، ومفرَّغة من محتواها، تُلقَّن للجماهير كمسكنات بديلة للحكم الرشيد. ذلك هو الجهل في حكم الشعوب، الذي يجعل من العراقي اليوم يخرج عن صمته بسبب أنه ضاق ذرعاً بكل تلك الشعارات والتي تجعل الشعب السوري يقدم كل تلك التضحيات للتخلص من حكم الجهل، وكذلك في اليمن التي تتصف قواها التي تحتل الدولة بأنها غائبة عن العقل وضاربة في الجهل، لأنها تبغي أن تقدم لشعب اليمن الكثير من التجهيل! فالجهل في نهاية الأمر له ثمن باهظ تدفعه الشعوب والأفراد على حدٍّ سواء.
آخر الكلام: أصبحت إدارة المجتمعات علماً له قواعد صارمة وكونية، أما تلك التي تُدار من خلال الجهل، فتدفع ثمناً باهظاً يسمى التخلف، والوقوف آخر الصف. العلم هو السلاح الأكثر مضاءً في عالمنا اليوم.

نقل من جريدة الشرق الأوسط: السبت – 8 ذو القعدة 1439 هـ – 21 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14480]

حرب تحديث اليمن

نقل من جريدة الشرق الأوسط – 07/07/2018

«كنت ذات يوم في إدارة إحدى الجرائد النيويوركية، حين دخل رجل غريب اللهجة، لا اللسان، يبغي كتاباً يُعلّمه الحديث باللغة الإنجليزية، فسألته: من أين أنت؟ فقال: من اليمن، وكنتُ يومئذ على أهبة السفر إلى بلاد العرب، فاستأنست بالرجل وبلهجته، وقلت: وأنا أرغب في الاستفادة، حدثني عن بلادكم. فقال: بلادنا طيبة الهواء والماء، ولكن أهلها دائماً في احتراب، فقلت: ومن تحاربون؟ قال: حاربنا الأتراك، وحاربنا القبائل، ونحارب بعضنا بعضاً!»… أعود إلى الحكّاء والمُدون الجميل أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب» وسياحته في الجزيرة، أوائل القرن الماضي. فالنص السابق بقلمه؛ للمقارنة بعد قرن كامل، بين ما كان قبل التغيير شبه التحديثي في اليمن الشمالي عام 1962، وما يكون اليوم!
كان ذلك الجزء من أرض العرب يعيش في الغالب في العصور الوسطى، كما وصفه الريحاني، وفي جنوبه كانت هناك «جزر تحديثية» صغيرة، كما في مدينة وميناء عدن، أما في شرق الداخل (السلطنات)، فلم يكن الحال أفضل مما هو في الشمال.
بعد التغيير عام 1962 جرت في نهر اليمن السياسي مياه كثيرة؛ انقلابات واغتيالات، وتدخل أجنبي، وآيديولوجيات متعثرة، كما حدث في الجنوب، واحتراب شبه دائم، إلا أن كل ذلك الصراع كان عبارة عن مسيرة توختها النخب اليمنية لوضع المجتمع اليمني على سكة التحديث الصعب في الخمسين سنة، بين عامي 1962 و2011.
فالمسيرة لم تكن سهلة، إذ انتبهت لأهمية التحديث بعض المجموعات اليمنية في الحواضر، وتركت الداخل (تقريباً كما تركه آل حميد الدين)، إلا أن النخب اليمنية ضربها ما ضرب كثيراً من النخب العربية، وهو التعلّق بشعارات التحديث المظهري السياسي، وعلى رأسه التحزب اليساري أو القومي، والكثير من الكلام، والقليل القليل من الفعل.
لم يكن هناك مشروع لدولة حديثة في اليمن؛ فالفكر القومي أصاب بعض النخب، فلم يكن المقياس النظري عندهم يواكب الواقع، وأيضاً أصاب بعض النخب اليمنية الفكر الصحوي المنتزع من سياقه، البعيد من جديد عن الواقعية.
من أجل فقط الإشارة لا التفصيل، أروي هذه القصة: كنا في صنعاء وسط التسعينات من القرن الماضي، من أجل فكرة تجسير الفجوة بين الكويت وصنعاء، التي دخلت العلاقة بينهما في مطب عميق، بسبب ما عُرف في ذلك الوقت بـ«دول الضد»، وكنا خمسة، وأولم لنا الراحل الشيخ عبد الله الأحمر وليمة غداء، وعند الانتهاء ذهبت، كما هي العادة، إلى مكان غسل الأيدي، فإذا بشاب يمني يعاتبني عما كتبت في موضوع عام، لم يكن الشاب يبلغ في تقديري عقدين ونصف العقد، قلت له مازحاً: «أنا كتبت ذلك في الكويت! فمن أخبرك؟!». ابتسم الشاب ورد عليّ بيقينية غير مترددة: «ألا تعرف أننا سوف نقيم الخلافة الإسلامية؟!».
تلك أفكار «الصحوة»، وذلك الفكر القومي «الأزرق»، وآخر «أممي أحمر»، اختلط كله بمكون اجتماعي قبلي جبلي تقليدي، فعطل اليمن من الدخول السلس إلى الحداثة.
عندي أن الحرب الدائرة يجب أن تنتهي بدخول اليمن إلى أول سكة الحداثة، أو هكذا يجب أن يكون، التي تتصف بوجود مشروع حديث للدولة والمجتمع، كما تتصف بواقعية بعيدة عن الشعارات. مع معرفتي أن الحرب، أي حرب، تترك آثاراً مدمرة، ويذهب جراءها ضحايا، ربما لا ناقة لهم ولا جمل، لكنها الحرب! فالحروب في العصر الحديث، بجانب أنها مكلفة على مستوى الأشخاص والجماعات، تترك ندوباً غائرة، ومشاعر سلبية، بجانب جثث الأطفال الرضع والشيوخ المقعدين! لكنها أيضاً تصهر المجتمع، فمِن رحم النار تُبنى الأوطان. ويبدو أن البشرية مجبرة أن تمر بها من أجل أن تصل إلى مكان أفضل.
الانقسام اليمني اليوم مغلق، فبعض النخب اليمنية (أقصد الحاصلة على تعليم معقول، والمتمكنة من فهم ما يجري) تنتقد الشرعية، لكنها في الوقت نفسه تفتقد، بسبب كل ذلك التراكم الآيديولوجي، ما يمكن أن يُعرف بـ«فقه الأولويات».
ومن الواضح أن كثيراً منها لديها ملاحظات على ممارسة – وربما سياسة – الحكومة الشرعية، وذلك طبيعي، إلا أن البعد عن دعم الشرعية في هذه المرحلة يصب في صالح الحوثي، الذي يحمل مشروعاً تابعاً ونكوصياً، وفي الوقت نفسه يحمل كل ما يكرهه اليمني العقلاني من عناصر، وقد يقذف باليمن كله، إن تمكن، إلى مكان ما قبل «عصر حميد الدين».
من هنا، تأتي دعوة هذه الشريحة النخبوية لأن يتمسكوا بالشرعية؛ لأنها عتبة نحو يمن حديث في المستقبل، لكن نقد نخبة المترددين في اليمن ليس كافياً لإكمال الصورة، فهناك أيضاً جهد حقيقي يجب أن تبذله الشرعية من الآن لرسم صورة اليمن المرجو في المستقبل.
مشروع الدولة الجديدة التي هي تعددية، ويتساوى فيها المواطنون، وتُوزع فيها القوة السياسية والاقتصادية بين المناطق والمجموعات، وتضع اليمن على باب الحداثة، أي دولة وطنية مدنية وحديثة، يحتاج إلى جهد فكري وسياسي، توقيته اليوم، لا الأمس، ويجب ألا يؤجل إلى الغد.
هذا المشروع يوضع أمام اليمنيين كنقيض واقعي لمشروع الحوثي، الذي هو بطبيعته نكوصي، ينزع إلى الخلف، أكثر مما ينظر إلى الأمام، وفي الوقت نفسه، هو إلحاق بمشروع يتهاوى كورق الخريف في مكانه الأصلي، أقصد مشروع ولاية الفقيه، الذي لم يعد مقنعاً على الإطلاق للنخب الإيرانية التي أيدته في البداية.
أي محبٍّ لليمن في الداخل والخارج، يجب أن يعمل لتكون هذه الحرب المشتعلة هي آخر الحروب، وألا تترك ذيولاً لها، في إطار حلول وسطى، تؤسس لصراع أو صراعات جديدة. ويجب أن يتخلى البعض عن طموحاته الشخصية والمحدودة، في سبيل وطن يمني حر، وربما سعيد! فكل الطامحين على مر الخمسين عاماً الماضية، قد مضوا، وبعضهم مضى بشرّ قِتلة، لكن اليمن بقي.
فهل تتفهم النخب اليمنية دورها التاريخي اليوم، أم تلحق بالفشل الذي أصاب مشاريع يمن عبد الفتاح إسماعيل وعلي صالح وحميد الدين؟!
آخر الكلام:
من طرائف الريحاني في «ملوك العرب»، أن ممثل الإمام حميد الدين في عدن، القاضي عبد الله العرشي وقتها (1920) زوّده بخطاب توصية إلى صنعاء قال فيه إن السيد أمين الريحاني… إلى آخره… فسأله، كما قال السيد الأمجد علي ابن الوزير أمير جيش الإمام في لواء تعز، عندما قرأ تعريف «السيد» في الخطاب: «هل أنت حَسني أو حُسيني؟»، فارتبك قليلاً، ثم رد أحد النبهاء: «إنه من سادة لبنان!!».
يبدو أن التاريخ يكرر نفسه، بعد مائة عام، للأذكياء فقط!

قراءة عربية في نتائج الانتخابات التركية

كنت في تركيا الأسبوع الذي سبق الانتخابات. جزء من الرحلة للاطلاع عن كثب، ومن خلال أصدقاء، على سير الانتخابات التاريخية، التي سوف تحول تركيا من مسار في الآليات الديمقراطية إلى مسار آخر مختلف يأخذ تركيا في طريق معاكس لجمهورية أتاتورك. مظاهر الاحتياط واضحة للعيان، بسبب الأحكام العرفية، فحتى مداخل الأسواق الشعبية محروسة من رجال مسلحين، وعلى مقربة من أماكن التجمعات تظهر السيارات المصفحة، إلا أن الحياة في العاصمة التجارية الأكبر، إسطنبول، تبدو عادية. لم أحصل على أقوال يقينية حتى قبل أيام من يوم الانتخاب الكبير، عن كيفية سير التصويت أو احتمالاته. أكثر من التقيت اعتقدوا أن جولة ثانية لا بد قادمة بين السيد رجب طيب إردوغان، وربما أقرب المنافسين له محرم إنجه مرشح الائتلاف المنافس، كان لديّ تحفظ عن بعض سياسات السيد إردوغان، الذي نشط في الأيام الأخيرة للفت النظر إلى إنجازاته، إلى درجة أنه حط بطائرته، يصحبه رئيس الوزراء، في المطار العالمي الجديد لإسطنبول، قبل افتتاحه بثلاثة أشهر، لجلب ضوء إعلامي على معلم من منجزاته. تحفظي عن سياسة إردوغان، ليس شخصياً. كانت وما زالت مسطرتي هي فهمي للمصالح العربية العليا، وهنا ورقتان مهمتان وأساسيتان، بجانب أوراق أخرى؛ أولى الأوراق هي العلاقة اللصيقة بالنظام الإيراني. رأيي أن النظام الإيراني (لا الشعب) يلعب دوراً تخريبياً في الجوار العربي من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وفي أماكن أخرى أيضاً، وهذا الدور الإيراني، وإن برره الإيرانيون ومناصروهم بعدد من التبريرات، فإنه في نظري، وربما في نظر كثير من العرب، يسير ضد مصالح العرب، خاصة أولئك الذين يرون في التجربة الإيرانية، حتى في الداخل، أنها تجربة فاشلة بكل مقاييس الحياة السياسية الحديثة، أي حكم رجال الدين المطلق. العلاقة التركية مع إيران ملتبسة، فهي معتمدة على تبادل تجاري واسع ومصالح سياسية، الاستفادة التركية منها واضحة، فهي تستورد الطاقة من إيران، وتحول إيران المبالغ التي تحصّلها (في أوقات سابقة من مرحلة المقاطعة الدولية الأولى) قبل الاتفاق النووي عام 2015، إلى ذهب، ثم تحمله إيران إلى دول أخرى وتبيعه لجلب عملة صعبة، تفاديا لقواعد حصرية للمنظومة المصرفية الدولية لمنع التعامل المالي مع إيران، وقد وصل الميزان التجاري الإيراني مع تركيا إلى قمته في عام 2012، إذ بلغ 14 مليار دولار، تراجع بعدها قليلاً، إلا أن المتغير الجديد في هذا الملف، هو إعلان رئيس الولايات المتحدة عن سياسة العقوبات ضد إيران يوم 8 مايو (أيار) الماضي، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. العقوبات سوف تطبق على إيران، وعلى كل دولة أو شركة تتعامل مع إيران، كما ورد في تصريح الرئيس الأميركي، وكان رد تركيا الرسمي بعد ثلاثة أيام فقط من الإعلان، وجاء على لسان وزير الاقتصاد التركي في 11 مايو، أن بلاده سوف تواصل التجارة مع إيران قدر الإمكان، ولن تستجيب لأي كان بهذا الخصوص، وعند انتهاء مرحلة الإنذار التي حددتها الولايات المتحدة في 6 أغسطس (آب)، والمرحلة الثانية في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، فسوف تجد تركيا نفسها بين الاستمرار في التعاطي التجاري، ومن ثم السياسي مع إيران، أو تستجيب إلى مطالب حليفتها، التي يبدو أنها قررت استرضاء أنقرة من خلال عدة طرق؛ إطلاق يدها في الشمال السوري، والسماح بتسليم طائرات حربية متقدمة هي إف 35. العلاقة التركية الإيرانية أكثر تعقيداً من التبادل التجاري، فالدولتان تتشاركان مع روسيا في تدبير، وربما تدمير، المسرح العسكري والسياسي في سوريا، وقد تلجأ إيران، إن استطاعت، إلى عرقلة الجهود العسكرية لتركيا في الشمال السوري والعراقي أيضاً! هذا الملف بديناميكياته، سوف يؤثر في مستقبل العلاقة بين تركيا وكثير من الدول العربية، وأيضاً حليفتها الكبيرة الولايات المتحدة، والمناورة السياسية في هذا الملف لا يمكن أن تستمر طويلاً، بوضع رجل هنا وأخرى هناك، كما تعود السيد إردوغان في ملفات أخرى. الورقة الثانية، التي أتحفظ عن مسارها، هي الموقف (شبه الانتهازي) مع إسرائيل، فقد قررت تركيا سحب سفيرها من واشنطن بعد أن قررت الإدارة فتح سفارة لها في القدس الغربية، بعد أشهر قليلة أعيد السفير! وتم سحب السفير التركي من إسرائيل (سياسياً) مع استمرار وثيق في المجال التجاري! هذه الورقة (فلسطين) تستخدمها كل من تركيا وإيران مناورة من أجل إلقاء كثير من الضباب على الموقف العربي أولاً، ومحاولة استثمار عواطف بعض العرب وبعض البسطاء في ملف لا يحتمل المناورة أو المزايدة! لأنه لعب سياسي في ورقة لها أهمية قصوى لدى العرب. هاتان الورقتان في تحفظي لا تخفيان أخريات، منها الطريقة التي تتعامل معها السلطات التركية مع مخالفيها، وخاصة السلميين، فتركيا اليوم وتحت طائلة قانون الطوارئ، تحتجز أكبر عدد من الصحافيين وأصحاب الرأي خلف القضبان! وهذا يؤسس لمثالب في الديمقراطية التركية! مع التحفظات السابقة، فإن من يقرأ برامج الأحزاب المنافسة، فسيستدعي القول الشعبي الخليجي (احتفظ بمجنونك لا يجيك أجن منه) فتلك البرامج تدعو إلى التطبيع مع النظام السوري، وإرسال المهجرين السوريين (إن لزم بالقوة) إلى بلادهم، فضلاً عن مصفوفة أخرى في السياسة الخارجية، قد تقلب منطقة الشرق الأوسط رأساً على عقب. تقديري أن الذين صوتوا للسيد إردوغان ثلاث شرائح؛ شريحة مؤمنة بسياساته، والثانية ترغب في الاستقرار، والثالثة ربما جزعاً من برنامج المعارضة!
الملفات المستقبلية أمام السيد إردوغان ليست سهلة أو هينة، هي تتمثل أولاً في الاقتصاد الذي يلحظ تراجعاً يظهر في سعر الليرة التركية، كما أن ملف الأكراد، الذي يشكل وصول حزبهم إلى سدة البرلمان، يعد صداعاً لإدارة إردوغان، وفي بعض جوانبه نزيفاً للجهد الوطني، وكان قد سربت أحاديث قبل الانتخابات لمجموعة من حزبه، بمحاولة منع وصول حزب الشعوب (أكراد) إلى البرلمان. وعلينا أن نذكر أن الفوز الأخير، كان بتحالف مع حزب الحركة القومية، وهو حزب يميني قومي تركي، ولم يكن حزب العدالة والتنمية ببعيد كثيراً عن طروحات قومية تركية، بل إن السيد إردوغان نفسه يستخدم عبارات وأفكاراً قومية تركية لتأجيج شعور الأتراك القومي العميق، لا أعتقد أن عاقلاً يقبل أن يعترض على مسيرة السياسة في تركيا من خارجها، يمكن أن يقدم رؤية أو تحليلاً، ولكن الاعتراض واجب على فهم بعضنا من العرب، أن إردوغان وحزبه يمثل (النجاح الأوفى) للإسلام السياسي!، إن صح التعبير، رغم تحفظي عن المفهوم. هذا الاستقبال المرضي لبعض العرب في الأيام اللاحقة لظهور النتائج الانتخابية في تركيا، وتوصيفه بأنه انتصار لآيديولوجيا متكاملة من الإسلام السياسي، يثير عجب العاقل وهو تضليل للعقول وجب التنبيه إليه، فالتجربة التركية، كما ردد إردوغان نفسه مراراً، علمانية المظهر والمخبر، أي تأخذ بالوسائل الحديثة للإدارة في السياسة وفي الاقتصاد والتنظيم، والشعب مسلم، ولا تناقض في ذلك. الإشكالية هي أن يتم خلط الاثنين معا في عقول البعض من أجل الترويج السياسي غير الناضج، وهي من قبيل تضخيم الوهم القائل إن سلطاناً جديداً قادم!! أحد المخاطر الكبرى أن يعتبر السيد إردوغان أن نتائج الانتخابات هي تفويض كامل له، ذلك يؤسس لشعبوية قد تقود التجربة التركية كلها إلى طريق مسدود.
آخر الكلام: الشعبوية السياسية قد تقود إلى نجاح في صناديق الانتخاب، ولكنها تؤسس لشجار مع الجوار قد لا تحمد عقباه.. سلسلة من تاريخ الشعبوية السياسية في منطقتنا تذكرنا بتلك الحقيقة!