كان الشاعر العراقي: معروف الرصافي
جالسًا في دكان صديقه وكانا يتجاذبا أطراف الحديث، وإذا بإمرأة فقيرة تريد رهن طبق لشراء الطعام ولكن رفض صاحب الدكان
فلحقها الرصافي وأعطاها كل مافي جيبه
وعاد إلى بيته ولم يستطع النوم وكتب قصيدة تعد من روائع الشعر العربي
الأرملة المرضعة ..
المتنبي مدرسه وادب
المتنبي ولد في العراق وعاش بسوريا و مصر
في القرن الرابع الهجري
كل ما قاله مازلنا نستخدمه ولم يترك اي موضوع
هو القائل : مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ.
وهو القائل : على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ.
وهو القائل : وكلُّ الذي فوقَ الترابِ ترابُ.
وهو القائل : ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ ✰ تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
وهو القائل : لا يَسلَمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى ✰ حتى يُراقَ على جوانبِهِ الدَّمُ
وهو القائل : إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكْتَهُ ✰ وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا
وهو القائل : أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سـرْجُ سابِحٍ ✰ وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ
وهو القائل : ذو العقلِ يشقى في النعيـمِ بعقلهِ ✰ وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ يَنْعَمُ
وهو القائل : فلا مجدَ في الدنيا لمن قلَّ مالُهُ ✰ ولا مالَ في الدنيا لمن قلَّ مجدُهُ
وهو القائل : خليلُكَ أنت لا مَن قلتَ خِلِّي ✰ وإن كثُرَ التجملُ والكلام
وهو القائل : ومِن العداوةِ ما ينالُكَ نفعُـهُ ✰ ومِن الصداقةِ ما يَضُرُّ ويُؤْلِمُ
وهو القائل : وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ✰ فهي الشهادةُ لي بأني فاضلُ
وهو القائل : مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهوانُ عليهِ ✰ ما لجرحٍ بمـيِّتٍ إيلامُ
وهو القائل : وإذا لم يكنْ مِن المـوتِ بـدٌّ ✰ فمن العجزِ أن تكون جبانـا
وهو القائل : إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومٍ ✰ فلا تقنعْ بما دون النجـومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقـيرٍ ✰ كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ
وهو القائل : وعَذلتُ أهلَ العشقِ حتَّى ذُقْـتُـهُ ✰ فعجِبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ
وهو القائل : فقرُ الجهولِ بلا قلبٍ إلى أدبِ ✰ فقرُ الحمارِ بلا رأسٍ إلى رسنِ
وهو القائل : ومرادُ النفوسِ أصغرُ من أن ✰ نتعادى فيه وأنا نتفـانـا
وهو القائل : وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ✰ ولا الأمن إلا ما رآ الفتى أمنا
وهو القائل : وإذا كانت النفوسُ كبـارًا ✰ تعبت في مُرادِها الأجسام
وهو القائل : إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا ✰ فأهونُ ما يمر به الوحول
وهو القائل : فحبُّ الجبانِ النفسَ أوردَهُ التُقى ✰ وحبُّ الشجاعِ النفسَ أوردَهُ الحربا
وهو القائل :
أغايةُ الدينِ أن تَحفوا شواربكـم ✰ يا أمةً ضحكت من جهلِها الأممُ
وهو القائل عن نفسه :
وما الدهرُ إلا من رواةِ قصائدي ✰ إذا قلت شِعرًا أصبح الدهرُ مُنشدا
والقائل : لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي ✰ وبنفسي فخرتُ لا بجدودي
والقائل : أنا الذي نظـرَ الأعمى إلى أدبي ✰ وأسـمعتْ كلماتي مَن به صممُ
فالخيــلُ والليلُ والبيداءُ تعـرفُني ✰ والحربُ والضربُ والقرطاسُ والقلمُ
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ من شرفي ✰ أنا الثُّريــا وذانِ الشيبُ والهـرمُ
والقائل : ومِنْ جاهلٍ بي وهو يجهلُ جهلَهُ ✰ ويجهلُ علمي أنَّهُ بي جاهـلُ
والقائل : ليس التعللُ بالآمالِ من إربي ✰ ولا القناعةُ بالإقلالِ من شيمي
✰ ✰ ✰
معظم هذه الأشعار سارت مسرى الأمثال على ألسنة الناس.
يُؤفك عنه مَن أُفك
بقلم الدكتور: أيمن رشدي سويد
هل تعرف معنى الآية في قوله عز وجل:
” يُؤفك عنه مَن أُفك “؟
(ووالله إني لأحوجكم لها أسأل الله أن يعينني وإياكم على تطبيقها)
ووالله إني لأستحي من الله في إرسالها.. لعلمه بحالي …
ولكن لتيقني بأنكم خير مني..
قال تعالى :
” يُؤفك عنه مَن أُفك ”
أي يُصرف عن القرآن مَن صرفه الله عقوبةً له بسبب ذنوبه وإعراضه عن الله..
ياإخوتي …:
من لم يبدأ بحفظ القرآن فليبدأ!
ومن أهمل مراجعته فليستدرِك!
ومن لم يكن له ورد من القرآن فليحرص عليه!
ولتصبر و لتُصابر…
فإنّ لحفظ القُرآن و ضبطهِ وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار لذّة تُنسيك تعب المُجاهدة .
اهرب من زحمة انشغالك
واختطف دقائق من وقتك ..
قم من نومك …
لعلك تلحق بركب الأوابين
وتنعم بلذة العابدين
واسجد واقترب .
اجعل لنفسك ..
ورداً من القرآن ..
لا تتركه مهما كان ..
واجعل لك تسبيحات دائمات
في كل يوم ..
سبّح ..
واستغفر ..
وهلل ..
وصلّ على النبي ..
صل الله عليه وسلم ..
ادع لنفسك ..
ولوالديك ..
ولمن تحب ومن لاتحب
كونوا سبباً في تذكير الكثيرين!
من بركة القرآن أن الله يبارك في عقل قارئه وحفظه.
فعن عبد الملك بن عمير :
( كان يقال أن أبقى الناس عقولا قراء القرآن )
وفي رواية :
( أنقى الناس عقولا قراء القرآن )
وقال القرطبي :
من قرأ القرآن متع بعقله وإن بلغ مئة !
وأثبتت الدراسات العلمية أن حفظ القرآن وقراءته فيها تقويه للذاكرة !
أوصى الإمام إبراهيم المقدسي تلميذه عباس بن عبد الدايم رحمهم الله :
( أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه، فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ ).
قال ابن الصلاح :
(ورد أن الملائكة لم يعطوا فضيلة قراءة القرآن وهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس !
فقراءة القرآن كرامة أكرم الله بها الإنس).
قال أبو الزناد :
(كنت أخرج من السحر إلى مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم فلا أمر ببيت إلا وفيه قارئ ).
قال شيخ الإسلام :
( ما رأيت شيئا يغذّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى ! ).
تعلّق بالقرآن تجد البركة
قال الله تعالى في محكم التنزيل: “كتاب أنزلناه اليك مبارك”
وكان بعض المفسرين يقول :
(اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا ).
اللهم إنا نسألك أن تلزم قلوبنا حفظ كتابك ،
وترزقنا أن نتلوه ونتدبره على الوجه الذي يرضيك عنا…..
ونعمل به
لا تنشغل عن وردك ،
فوالله لهوَ مصدر البركة في يومك إن أخلصت النية لله .القرآن ليس فى رمضان فقط رب رمضان رب كل الشهور …….
انشر لمن تحب غفر الله لك
قصيدة خالدة للشاعر صالح بن عبد القدوس
صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي. وهو شاعر عباسي كان مولي لبني أسد. كان حكيماً متكلماً يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الإخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.
صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ
والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ
ذهب الشبابُ فما له مــن عَودة
وأتى المشيب فأين منـه المهرب؟
لا تأمنِ الدهـر الخَئونَ فإنه
لا زال قِدمًا للرجــال يؤدِّب
واقنع ففي بعض القناعة راحـــةٌ
واليأس مما فات فهـو المطلب
واذا طمعتَ كُسيتَ ثــــوبَ مذلة
فلقــد كُسي ثوبَ المذلة أشعبُ
إن الحقــود وإن تقادم عهده
فالحقد باق في الصــــــــدور مغَيَّب
لا خير في ودّ امــــرئ متملق
حـلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ
وإذا توارى عنك فهــو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حـلاوة
ويـــــروغ عنك كما يروغ الثعلب
وصِلِ الكرامَ وإن رمَوكَ بجَفْوة
فالصفحُ عنهم بالتجاوزِ أصوب
واختر قرينك تصطفيه تفاخـرًا
إن القرين إلى المقـــارَن يُنسب
إن الغنيَّ من الرجـــال مكرَّم
وتراه يُرجى مــا لديه ويُرهب
ويُبشُّ بالترحيب عند قـدومه
ويقام عند سـلامه ويُقرّب
ودع الكـذوب فلا يكن لك صاحبًا
إن الكـذوب يَشين حرًّا يصحب
وزنِ الكـلام اذا نطقت ولا تكن
ثرثارة في كـــل نادٍ تخطب
واحفـظ لسانك واحترز من لفظه
فالمرء يسلم باللسـان ويعطب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعـد التنافر يصعب
إن القـلـوب إذا تنافر ودُّها
شِبه الزجــاجة كسرُها لا يُشعب
كن ما استطعت عـن الأنام بمعزِل
إن الكثير من الــورى لا يُصحب
واحذر مصاحبة اللئيم فإنه
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذر من المظلوم سهمًا صائبًا
واعلم بأن دعــاءه لا يُحْجَب
فلقـد نصحتك إن قبلت نصيحتي
فالنصح أغلى ما يبـاع ويوهب
بقس
السبسي: تونس دولة مدنية مرجعها الدستور.. ولا علاقة لنا بالدين أو القرآن
بقس
بقلم : شعر: محمد جربوعة
يقول قائل : لمَ لم يكتب عن التغيير الوزاري الذي يمس حياة الناس هنا ، وكتبَ عن تصريح (بقس) هناك ؟ فأقول : أنا لا أناضل من أجل الشعوب ، أنا أنتصر للثوابت والمقدسات .. والإساءة للقرآن ليست شأنا داخليا لا يجوز التدخل فيه ..القرآن كتاب أمة..
(الشَّيْبُ والعيبُ) .. هذا قاله المثلُ
وقال أسلافُنا: ( بالعار يحتفلُ)
ألستَ تنظرُ في المرآةِ ؟.. يا عجبا
ألا ترى الشيبَ في صدغيكَ يشتعــلُ ؟
وعاقلُ القومِ حين الشيب يأكلهُ
ينسى الذي كان في الماضي، ويعتـزلُ
ومَن بسنكَ حين العمر يخذلـــهُ
يميل للهِ في ضعف ويبتهـــلُ
وأنت بالرد للآياتِ – يا أسفي-
والطعنِ في ما قضاهُ اللهُ منشغلُ
هذا – وربّكَ- في الأعمار أرذلُها
(الشَّيْبُ والعيبُ) .. والإرجافُ والخَطلُ
فكيفَ قلتَ الذي قد قلتَ مجترئا؟
جننتَ ؟ أم أنتَ في ما قلتهُ ثمِــلُ ؟
ألستَ تخجَلُ مما صرتَ؟ أم أبدا
أمثال جنسكَ لا يأتيهمُ الخجلُ ؟
مَنْ أنت؟ ربٌّ ؟ نبيٌّ مرسلٌ؟ ملَكٌ
يزيدُ في الدينِ ما يهوى ، ويختزلُ؟
وأنت لو نسمةٌ هبّتْ بأمسيةٍ
لأوقعتكَ كبوّ القشّ(1) يا رجلُ
من عهدِ فرعون ، منذ الله أغرقهُ
وأنتَ بين (دعاوي الشرّ) تنتقلُ
قضيتَ في الدرب قرنا..لم تصل ..فمتى
قل لي بربّكَ يا مشؤوم قد تصلُ ؟
سوء النهايةِ هذا.. والشقيُّ على
خطّ النهايةُ تخطي رجلَهُ السبلُ
أياتُ ربّكَ تبقى مثلما نزلتْ
ورغمَ أنفكَ، نتلوها ونمتثلُ
حتى إذا كنتَ لا ترضى ، وتكرهها
تظلُّ في دمنا الشرقيّ تشتعلُ
ورغمَ أنفِ رياحِ السوءِ عاصفةً
يبقى كما كانَ قبل الصرصرِ الجبلُ
تبقى المواريثُ .. (… حظِّ الأنثيينِ)، ولا
يبـدّل اللهُ ما لم يرضــــهُ (هُبَــلُ)
ماذا ربحتَ .. وهذي الأرض في دمها
اللهُ ، والدينُ، والقرآنُ، والرسلُ ؟
وأنتَ لا شيء .. لا شيئينِ..جعجعةٌ
عنزٌ يظنّ بجهلٍ أنّه جَمَلُ
ولستَ وحدكَ ..في التاريخ (أبقسةٌ)(2)
وكلّهم بعدما قالوه قد رحلوا
يوما سترحل ..(قلْ لا).. ثمّ في كفَنٍ
إلى المهيمنِ ، يا هذا ستنتقلُ
ويقرأ الناسُ في التأبين : (…ذائقةُ)
وبالشريعة يبقى الحكم والعملُ
هامش:
1- البوّ: جلد الحُوار أو العجل ، حين يموت ، يُحشى قشا أو تبنا ، ويقرّب من أمه خداعا لها ، لتدرّ الحليب..
2- أبقسة : جمع بقس ، وهي الأحرف الأولى من اسم المعني..
الثلاثاء 15 آب- أغسطس 2017 م
في مدخل الحمراء..
شروط تأهيل الأسد!
السياسة مضادة للعاطفة، وحتى تفهم مسار السياسات، لا بد من البعد عن العواطف. هناك الآن ما يشير إلى تأهيل بشار الأسد في سوريا، هذا ما يتناوله المعلقون في الغرب، الذين حصلوا على شيء من المعلومات المسربة من قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يوم الاثنين 16 يوليو (تموز) الحالي. ولأن الاتفاق حدث بين «الكبار»، فهو أولاً لصالحهم، وعلى حساب جميع اللاعبين الآخرين. واضح من تطور الأحداث أن النظام العالمي يتغير، من تحالف القيم إلى تحالف المصالح. صلب الموضوع هو ما يراه الرئيس ترمب في العلاقة مع روسيا، ليس الآن ولكن منذ الحملة الانتخابية، فهو يسعى «لتحالف الكبار» حتى لو كان على حساب الحلفاء التقليديين. فالعلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن تكون سوية وفي حالة تعاون وثيق. وعلى الرغم من حالة الارتباك لدى كثير من السياسيين الأميركيين حول «العلاقة بين إدارة ترمب وروسيا» التي يصفها بعضهم بأنها تواطؤ، وآخرون يصلون إلى توصيفها بأنها فعل «خيانة» للمبادئ التي تؤمن بها أميركا، فإن ترمب يعطي الجميع الأذن الصماء، ويعتقد أنه وبوتين يمكن أن ينظما العالم ليرقص على الأنغام التي يختارانها! وقد مهد لذلك في أكثر من مناسبة، آخرها قمة الناتو 11 – 12 يوليو.
في الشرق الأوسط، هناك لاعب مهم يعمل الطرفان على عدم إغضابه، إن لم يكن إرضاءه، هو إسرائيل. وقبل أيام من عقد قمة هلسنكي، كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في موسكو للاجتماع ببوتين (الرجلان اجتمعا تسع مرات خلال الثمانية عشر شهراً الماضية). وبعد ذلك الاجتماع صرح نتنياهو: «ليست لدينا مشكلة في التعاون مع نظام الأسد في سوريا في المستقبل»، على العكس تماماً من مطالباته السابقة والمتكررة «بضرورة تغيير النظام».
الاتفاق الأميركي – الروسي حول سوريا هو تقريباً الآتي: لا مانع من وضع سوريا تحت الوصاية الروسية، على أن تضمن ابتعاد قوات الأسد عن الحدود الإسرائيلية، وخروج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من سوريا، وتوقيع اتفاق سلام دائم (سوري – إسرائيلي) في المستقبل، برعاية الطرفين (الدولة السورية في حالة حرب معلنة مع إسرائيل منذ عام 1948)، على أن تُقدم ترضية إلى إيران، أولاً معنوية من خلال إعلان أن طهران قد أنهت مهماتها هي و«حزب الله» بـ«انتصار بقاء الأسد»، فلا حاجة لبقاء قواتهم هناك، وثانياً ترضية مادية، حيث أعلنت روسيا أنها سوف تستثمر بشكل مباشر، خمسين مليار دولار في صناعة الغاز والنفط الإيرانية، كما وضعت روسيا على الرف (لعدم إزعاج إسرائيل) خططها المعلنة لتزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي «إس 400» التي كان من الممكن أن تردع إسرائيل عن استهداف القوات الإيرانية والحليفة لها في الأراضي السورية!
تركيا، اللاعب الآخر في الساحة السورية، تهرول خلف روسيا، لعل بعضاً من النتائج الإيجابية في الاتفاق يصل إليها. همها الكبير تحجيم أي قوة كردية مسلحة تزعج حدودها الجنوبية. ويبدو أن ذلك متاح بالقدر الذي يطمئن تركيا للتعاون في تنفيذ الخطة المقترحة.
الخطوط الحمراء الجديدة لترمب هي «إخراج إيران وحلفائها من سوريا» كما قال في هلسنكي في المؤتمر الصحافي: «لن نسمح لإيران باستثمار انتصارنا على (داعش)». في الوقت نفسه تتمكن الإدارة الأميركية من سحب الألفين أو حولهما من القوات الخاصة في سوريا، ولا مانع من ترك سوريا بجانب أوكرانيا منطقة نفوذ لروسيا؛ لأن سحب القوات يعزز من انتصار الجمهوريين في الانتخابات النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم. فقد قال مستشار الرئيس ترمب، جون بولتون: «إن بقاء الأسد في حكم سوريا لم يعد قضية استراتيجية للولايات المتحدة»، هذه التصريحات في تناقض تام مع سابقاتها، فحتى أبريل (نيسان) الماضي، كان ترمب يصف رئيس النظام السوري بـ«القاتل»، كما شن ضربات جوية، بجانب بريطانيا وفرنسا، في الشهر نفسه، على مناطق سورية عسكرية! تغيير جذري في الموقف الغربي بكامله، وتناسٍ لبحور الدم التي تسبب فيها النظام لشعبه. فمن أجل وقف القتال الذي استمر سبع سنوات في حرب أهلية ضروس، أميركا وروسيا وإسرائيل تتفق على حل في سوريا اسمه «بقاء نظام الأسد»! بعد تجريده من «أوهام المقاومة».
الدعم الأميركي لبعض القوى السورية يتراجع، فالإدارة كما وعدت الناخبين، لن تدخل في حروب، خاصة في الشرق الأوسط، الذي شهد كثيراً من الضحايا من الجنود الأميركيين. كما لم تعد أميركا بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، لتبقى أعينها مفتوحة رصداً للتطورات فيه، الأمر الذي يعني الوصول إلى اتفاق (يقع في خانة الفوز للقطبين الأميركي والروسي)، فروسيا يمكنها أيضاً أن تحتفظ بقوة بحرية في البحر الأبيض الدافئ، كما حلم القياصرة منذ زمن طويل!
على الرغم من الحرب الكلامية المشتعلة بين أميركا وإيران، وتغليظ السباب بينهما، فإن استراتيجية الأولى هي الضغط على الثانية من خلال المقاطعة الاقتصادية، التي سوف تنشط بعد أسابيع من اليوم، وعلى درجات متصاعدة. أما الحديث عن اشتباك عسكري بين الطرفين، فقد ترك ليلهو به السذج من السياسيين. إن المقاطعة الاقتصادية مهما اشتدت، فليس بالضرورة أن تغير النظام الإيراني، يمكن أن تضعفه، ولو أن احتمال التغيير قائم، إلا أن الاحتمال الآخر أن يقوم الإيرانيون بترضية ما لأميركا، كما فعل الكوريون الشماليون، من خلال الموافقة، من خلال طرف ثالث، قد تكون إحدى الدول الأوروبية، على بعض الشروط المعلنة، منها الانسحاب «الانتصاري» من سوريا، والتخلي عن دعم الحوثيين في اليمن، ولن يفقدوا كثيراً من الحجج عند قيامهم بذلك.
في حسابات الربح والخسارة السياسية حتى الآن، نجد أن إسرائيل هي الرابحة، فلها الاحتفاظ بالجولان كأرض إسرائيلية، وسحب الذريعة من كل من إيران و«حزب الله» في التوجه إلى العسكرة والتحشيد ضدها، فلم يعد أحد قادراً على ذلك، كما أن روسيا تحتفظ بأوراق رابحة، بعد كل الاستثمار العسكري الذي بذلته على الأرض السورية، ويستطيع ترمب أن يعلن انتصاره على الإرهاب ونجاحه في دعم إسرائيل، ومنع التوسع في إرسال الجنود الأميركيين إلى الخارج، وكلها أوراق رابحة في الانتخابات النصفية القادمة! الخاسر الكبير هو معسكر إيران وحلفائها، فقد انتزعت ورقة التوت التي كانت تسمى «مقاومة الشيطان الأكبر وإسرائيل»، فلم يعد لها منفذ بعد أن أصبحت سوريا محمية روسية، تضمن روسيا هدوءاً كاملاً للجبهات حولها.
أمام هذا السيناريو الذي وضعت خطوطه العريضة في هلسنكي، يتراجع تدفق المهاجرين إلى الدول المحيطة بسوريا، وإلى الغرب أحياناً الذي يضج من نزوحهم؛ إلا أن القصة لا تنتهي هنا، فبقاء الأسد في السلطة، وإن بدا دائماً، إلا أنه بالضرورة مؤقت، حتى ترتيب البيت السوري، الذي سوف يشهد نشاطاً سياسياً حميماً على وقع المايسترو الروسي من أجل تغيير تدريجي، يضمن لروسيا البقاء، كما يضمن لإسرائيل توطيد الحدود بكاملها، ويؤمن لأميركا مصالحها.
تلك هي الخريطة التي تبين بعض تفاصيلها حتى الآن، والاحتمالات الممكنة في المدى القصير. كل ما يمكن تلخيصه أن الشرق الأوسط بالذات قبل قمة هلسنكي سيكون غيره بعدها!
آخر الكلام: قد تنتج خطة السلام المقترحة في سوريا كما اتفق عليها الطرفان الأميركي والروسي، دينامياتها الخاصة؛ لأن الفواعل الأخرى سوف تتدخل من أجل تغيير في السيناريو المعد، ودون رضاء من شرائح واسعة من الشعب السوري، سوف تبدو الخطة وكأنها عمياء!
نقل من: جريدة الشرق الأوسط
السبت – 15 ذو القعدة 1439 هـ – 28 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14487]
وداعاً فتاة العرب
تعتبر الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي امرأةً متفردة في زمنها، إذ وهبها الله علماً واسعاً استطاعت من خلاله نظم الشعر بإسلوبٍ فذ ومقدرةٍ عجيبة؛ جعلتها احدى أبرز نساء الشعر في العصر الحديث.
سُميت تيمناً بجدة والدتها عوشة بنت المر بن حريز الفلاسي التي تكون أخت الشيخ بطي بن سهيل بن مكتوم حاكم دبي (1906 – 1912) من جهة الأم.
درست في طفولتها القرآن على يد الشيخ محمد سميع، ودرسوا معها عدداً من أفراد الأسرة الحاكمة ومنهم سمو الشيخة حصة بنت محمد آل نهيان رحمها الله، وغيرهم.
كانت بدايات ابنة خليفة في الشعر في نحو سن الثانية عشر، وذلك بعدما رأت في منامها أن البدر نزل عليها من السماء ودنى منها إلى أن ابتلعته، فأخبرت والدها برؤياها فسأل الشيخ علي بن بطحان عن تفسيره فقال سيرزق الله عوشة علماً يضيء كما أضاء القمر.
والجدير بالذكر أن عوشة ترعرعت بين كنف أسرتين كانتا على مستوى عالٍ من العلم والثقافة، فكان لوالدها مكتبةً كبيرة تملؤها الكتب الدينية والأدبية والكثير من الدواوين الشعرية لمعظم شعراء الجزيرة العربية، مما جعلها تتأثر بعمالقة الشعر أمثال: القاضي، والهزاني، والمغلوث، والشيخ عبدالرحمن المبارك، والعقيلي وغيرهم.
وقد لاقت عوشة معارضةً شديدة من الأهل لدرجة تكسير الأقلام لمنعها من كتابة الشعر إذ أن المجتمعات الخليجية المحافظة لا تسمح للمرأة بقرض الشعر وتدوينه. ولكن جدها الوجيه أحمد بن خلف العتيبة شجعها على المضي في موهبتها الشعرية وقال بأنها موهبة خصها الله بها فلماذا تحرمونها منها، فقد كان نفسه شاعراً ومحباً للشعر.
كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو من اختار لقب “فتاة العرب” للشاعرة عوشة بنت خليفة؛ وذلك حين قال:
فتـاة العـرب وانتوا لها خير عنوان
ومن غيركم باقصد معاني نشدها
هي الشاعرة: عوشة بنت خليفة بن الشيخ أحمد بن خليفة بن خميس بن يعروف السويدي، المنتمية إلى فرع الزمازمة من قبيلة السودان.
تزوجها ابن عمها راشد بن محمد بن الشيخ أحمد بن خليفة السويدي وأنجب منها: السيّدة الفاضلة حمدة بنت راشد حرم السيّد خلف بن أحمد بن محمد بن خليفة الحبتور المنتمي إلى فرع الرواشد من عشيرة المرر.
والدتها هي حمدة بنت أحمد بن خلف بن عبدالله بن عتيبة المنتمية إلى عشيرة المرر، وجدتها من جهة الأم هي آمنة بنت سلطان بن مجرن المري ابنة شيخ العشيرة، ووالدة جدتها هي عوشة بنت المر بن حريز الفلاسي خالة المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وجدة جدتها (والدة عوشة بنت المر) هي الفارة بنت سرور بن سيف بن صقر القمزي التي تكون كذلك والدة الشيخ بطي بن سهيل بن مكتوم حاكم دبي بين عاميّ (1906 – 1912م).
أما جدتها من جهة الأب فهي ميرة بنت خلف بن عبدالله بن عتيبة المري، ووالدة جدتها هي موزة بنت محمد بن عتيبة.
رحم الله عوشة بنت خليفة رحمةً واسعة، نسأل الله أن يغفر لها ويرحمها ويرزقها جنات النعيم.
المصدر:
حساب الــمـــوروث
ثمن الجهل
هل للجهل ثمن؟ ومَن فكَّر فينا على المستوى الشخصي، والمستوى الوطني أن يحسب «تكلفة الجهل»؟ وأنا أراقب ما يحدث في جنوب العراق من انتفاضة واسعة ضد كل الحيف الواقع على المواطن العراقي العادي، تداعى إلى ذهني أن معظم ما نعاني منه في منطقتنا العربية، وما ندفعه من أثمان باهظة من الفرص الضائعة للتنمية والتطور والاستقرار، وما نلاقيه من العنت السياسي، سببه الرئيسي هو الجهل. الجهل له ثمن، وهو ثمن أكبر بكثير من مردود العلم. لقد قام صدام حسين بإدارة العراق بطريقة «جاهلة» فاختصر العراق في زعامته وشخصه، وفشل فشلاً ذريعاً في إنشاء مشروع نهضوي للعراق، ونعرف النتيجة التي وصل إليها هو ونظامه. ومن الخطأ تسمية البيروقراطية القمعية في العراق «نظاماً»، كانت ربما نظاماً «قهرياً»، وجاء من بعده نظام يعتاش على أفكار للدولة دعوية وضبابية، وشعارات باهتة الألوان، لكنها لم تُطعم العراقيين لا راحة ولا خدمات ولا حتى أمناً، فجاءت انتفاضة الجنوب التي راقبناها الأسبوع الماضي، وهي سلسلة سوف تتفاقم في المستقبل، وإن هدأت لفترة، وتأخذ أشكالاً قد لا نتوقعها اليوم، لأن هناك في الحكم العراقي الحالي (أنا أستخدم المفاهيم بشكل مجازي)، من ليس لديه مشروع للدولة الحديثة؛ بعض القوى لديها مشروع غامض، هو أن تتبع ما يقوم به حكام إيران من سياسات، في تغييب عقل الناس، فهناك ولاية فقيه، أيضاً منزوعة من المشروع الحديث للدولة، وهنا «مرجعية» ليست لها علاقة بنظام حكم حديث، فالعراق بين «نصوص» في الدستور شبه حديثة ولكن معطَّلة، وبين ممارسة «شبه قمعية» متعددة الرؤوس، فالمشوار إلى دولة حديثة تعددية ومدنية، يُحترم فيها الموطن ويسود القانون العادل على الجميع، لا يزال طويلاً، وسوف يكون معبَّداً بانتفاضات وقلق دائم، وغياب الأمن ومعه التنمية، مع نقص مزمن في الخدمات الحديثة من مياه نظيفة وكهرباء دائمة ومدارس وفرص عمل! في سوريا الأمر وإن اختلف في الشكل، فهو في العمق متشابه، حكم أفضل ما يستطيع أن يقوم به هو خلق أجهزة رقابية تحصي على الناس أنفاسهم، أدخلت سوريا في حرب أهلية ضروس، نعرف كيف بدأت، ولا نستطيع أن نتكهن كيف ستنتهي، أما ما هو أمامنا، فهو خرائب، ومدن وهجرة قسرية، وأمان تام على الحدود مع إسرائيل، التي ضجّ إعلام النظام بـ«مقاومتها»! عجيب أمرنا نحن العرب في هذا العصر، هناك إصرار على تقديم الجهل في إدارة المجتمعات على العلم. كنت وما زلت أستغرب أن يحكم شعباً عربياً ولأربعين عاماً متوالية شخص مثل معمر القذافي، لا أقصد هنا التعليق على الشخص، فالموت عندي له حرمته، ولكنّ شيئاً ما يجب أن يبحث في «عقلنا السياسي» ليبرر قبول شعب متحضر فيه عدد كبير من المتعلمين والراشدين، طوال هذه المدة، بشخصية «ملتبسة» في السلوك وفي الأفكار وفي التعامل الداخلي والخارجي، ويبدو في الواقع أنه منقطع عن العالم، مصاب بهلوسة «ملك ملوك أفريقيا»! ولم أكتب هذا الآن لأنه اختفى عن المسرح، ولكني أشرت إليه في وقت سابق، عندما كان الرجل في السلطة، واقتطفت وقتها شعاراً سياسياً ليبياً انطلق أيام الملك إدريس السنوسي، حيث سارت المظاهرات تقول «إبليس ولا إدريس» وقلت بالحرف الواحد «يبدو أن الله قد استجاب لدعائهم»! لقد ترك الرجل بلاداً غنية بالموارد تخوض في الفوضى، كنت وغيري في حيرة؛ كيف يمكن لعقلاء من الإخوة الليبيين أن يخدموا على أعلى مستوى سياسة هذا الرجل القريب إلى العته؟! وهكذا فإن الجهل في إدارة المجتمعات مستمر في أركان كثيرة من عالمنا العربي، خذْ مثلاً هذا الكم من «الدعاة»، حراس الأفكار العتيقة الذين يعتقدون أنهم يمثلون أو ينطقون باسم الإسلام، الدين العظيم الذي يعتنقه ملايين من البشر، باختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وطريقة حياتهم! يقدمون الإسلام وتعاليمه على أنها أساساً «زهدٌ في الدنيا»، وينشرون الأفكار الغيبية والخرافة، مع أن مقصد الإسلام هو إعمار الأرض.
الأمر يحتاج من الجميع إلى التوقف للتفكير في الكثير من تصرفاتنا سواء الشخصية أو العامة التي تناصب العقل السليم العداء، وتبحر في الجهل عند اتخاذ القرار، وتستصغر التفكير العلمي. لقد ابتُليت مجتمعاتنا بقيادات مقتنعة بأنها «تفهم أكثر من كل الشعب» و«لا أُريكم إلا ما أرى» وشعارها «أنا أريد، من يستطيع أن يقول لي لا…؟»، بمثل هذه القيادات البعيدة عن فهم آليات التفكير العلمي، وطرق التنظيم الحديث في إدارة المجتمعات، أوقعت شعوبها في صراعات نتج عنها الفقر والفاقة والحروب. لست من المقتنعين كثيراً بأن «الحكم الديكتاتوري» بالمعنى العام، هو سبب التخلف للشعوب، ولكن تخلف الشعوب ناتج عن «حكم الجهل»، فهناك ديكتاتوريات بألوان مختلفة قدمت لشعوبها التنمية ووضعتها في صدارة الشعوب الحديثة، واستبدلت بـ«شرعية التمثيل»! «شرعية الإنجاز»، مثلاً الصين بلاد لا يمكن وصفها بالديمقراطية، إلا أن الحكم هناك لديه مشروع، وهو بشكل عام «خدمة المجتمع ورفاهيته»، فتقدمت اقتصادياً، وفي مكان آخر في بعض بلدان أفريقيا أيضاً، لا يمكن توصيفها بأنها «ديمقراطية» بالمعنى الحديث للمفهوم، ولكنها استطاعت أن تقدم مشروعاً وطنياً، رفع من دخل المواطن في المقام الأول، وحسّن الخدمات المقدمة إليه من تعليم وخدمات صحية وبنية تحتية، الفرق في استعراض كل تلك التجارب أن هناك بلاداً يحكمها السعي لهدف محدد ومشروع للنهضة، وهو إنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية القائمة على خطط علمية ويتم تنفيذها بكل قدرة بعيداً عن الكثير من الفساد، وأخرى، بصرف النظر عن الشكل الخارجي للنظام، تفتقر إلى الخطط المبنية على العلم لإنجاز المهمات الوطنية من خلال مشروع مستقبلي مقنع، وتركن إلى الشعارات والخرافات، وهي شعارات سياسية واجتماعية وثقافية، مبنية على الجهل، ومفرَّغة من محتواها، تُلقَّن للجماهير كمسكنات بديلة للحكم الرشيد. ذلك هو الجهل في حكم الشعوب، الذي يجعل من العراقي اليوم يخرج عن صمته بسبب أنه ضاق ذرعاً بكل تلك الشعارات والتي تجعل الشعب السوري يقدم كل تلك التضحيات للتخلص من حكم الجهل، وكذلك في اليمن التي تتصف قواها التي تحتل الدولة بأنها غائبة عن العقل وضاربة في الجهل، لأنها تبغي أن تقدم لشعب اليمن الكثير من التجهيل! فالجهل في نهاية الأمر له ثمن باهظ تدفعه الشعوب والأفراد على حدٍّ سواء.
آخر الكلام: أصبحت إدارة المجتمعات علماً له قواعد صارمة وكونية، أما تلك التي تُدار من خلال الجهل، فتدفع ثمناً باهظاً يسمى التخلف، والوقوف آخر الصف. العلم هو السلاح الأكثر مضاءً في عالمنا اليوم.
نقل من جريدة الشرق الأوسط: السبت – 8 ذو القعدة 1439 هـ – 21 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14480]
حرب تحديث اليمن
نقل من جريدة الشرق الأوسط – 07/07/2018
«كنت ذات يوم في إدارة إحدى الجرائد النيويوركية، حين دخل رجل غريب اللهجة، لا اللسان، يبغي كتاباً يُعلّمه الحديث باللغة الإنجليزية، فسألته: من أين أنت؟ فقال: من اليمن، وكنتُ يومئذ على أهبة السفر إلى بلاد العرب، فاستأنست بالرجل وبلهجته، وقلت: وأنا أرغب في الاستفادة، حدثني عن بلادكم. فقال: بلادنا طيبة الهواء والماء، ولكن أهلها دائماً في احتراب، فقلت: ومن تحاربون؟ قال: حاربنا الأتراك، وحاربنا القبائل، ونحارب بعضنا بعضاً!»… أعود إلى الحكّاء والمُدون الجميل أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب» وسياحته في الجزيرة، أوائل القرن الماضي. فالنص السابق بقلمه؛ للمقارنة بعد قرن كامل، بين ما كان قبل التغيير شبه التحديثي في اليمن الشمالي عام 1962، وما يكون اليوم!
كان ذلك الجزء من أرض العرب يعيش في الغالب في العصور الوسطى، كما وصفه الريحاني، وفي جنوبه كانت هناك «جزر تحديثية» صغيرة، كما في مدينة وميناء عدن، أما في شرق الداخل (السلطنات)، فلم يكن الحال أفضل مما هو في الشمال.
بعد التغيير عام 1962 جرت في نهر اليمن السياسي مياه كثيرة؛ انقلابات واغتيالات، وتدخل أجنبي، وآيديولوجيات متعثرة، كما حدث في الجنوب، واحتراب شبه دائم، إلا أن كل ذلك الصراع كان عبارة عن مسيرة توختها النخب اليمنية لوضع المجتمع اليمني على سكة التحديث الصعب في الخمسين سنة، بين عامي 1962 و2011.
فالمسيرة لم تكن سهلة، إذ انتبهت لأهمية التحديث بعض المجموعات اليمنية في الحواضر، وتركت الداخل (تقريباً كما تركه آل حميد الدين)، إلا أن النخب اليمنية ضربها ما ضرب كثيراً من النخب العربية، وهو التعلّق بشعارات التحديث المظهري السياسي، وعلى رأسه التحزب اليساري أو القومي، والكثير من الكلام، والقليل القليل من الفعل.
لم يكن هناك مشروع لدولة حديثة في اليمن؛ فالفكر القومي أصاب بعض النخب، فلم يكن المقياس النظري عندهم يواكب الواقع، وأيضاً أصاب بعض النخب اليمنية الفكر الصحوي المنتزع من سياقه، البعيد من جديد عن الواقعية.
من أجل فقط الإشارة لا التفصيل، أروي هذه القصة: كنا في صنعاء وسط التسعينات من القرن الماضي، من أجل فكرة تجسير الفجوة بين الكويت وصنعاء، التي دخلت العلاقة بينهما في مطب عميق، بسبب ما عُرف في ذلك الوقت بـ«دول الضد»، وكنا خمسة، وأولم لنا الراحل الشيخ عبد الله الأحمر وليمة غداء، وعند الانتهاء ذهبت، كما هي العادة، إلى مكان غسل الأيدي، فإذا بشاب يمني يعاتبني عما كتبت في موضوع عام، لم يكن الشاب يبلغ في تقديري عقدين ونصف العقد، قلت له مازحاً: «أنا كتبت ذلك في الكويت! فمن أخبرك؟!». ابتسم الشاب ورد عليّ بيقينية غير مترددة: «ألا تعرف أننا سوف نقيم الخلافة الإسلامية؟!».
تلك أفكار «الصحوة»، وذلك الفكر القومي «الأزرق»، وآخر «أممي أحمر»، اختلط كله بمكون اجتماعي قبلي جبلي تقليدي، فعطل اليمن من الدخول السلس إلى الحداثة.
عندي أن الحرب الدائرة يجب أن تنتهي بدخول اليمن إلى أول سكة الحداثة، أو هكذا يجب أن يكون، التي تتصف بوجود مشروع حديث للدولة والمجتمع، كما تتصف بواقعية بعيدة عن الشعارات. مع معرفتي أن الحرب، أي حرب، تترك آثاراً مدمرة، ويذهب جراءها ضحايا، ربما لا ناقة لهم ولا جمل، لكنها الحرب! فالحروب في العصر الحديث، بجانب أنها مكلفة على مستوى الأشخاص والجماعات، تترك ندوباً غائرة، ومشاعر سلبية، بجانب جثث الأطفال الرضع والشيوخ المقعدين! لكنها أيضاً تصهر المجتمع، فمِن رحم النار تُبنى الأوطان. ويبدو أن البشرية مجبرة أن تمر بها من أجل أن تصل إلى مكان أفضل.
الانقسام اليمني اليوم مغلق، فبعض النخب اليمنية (أقصد الحاصلة على تعليم معقول، والمتمكنة من فهم ما يجري) تنتقد الشرعية، لكنها في الوقت نفسه تفتقد، بسبب كل ذلك التراكم الآيديولوجي، ما يمكن أن يُعرف بـ«فقه الأولويات».
ومن الواضح أن كثيراً منها لديها ملاحظات على ممارسة – وربما سياسة – الحكومة الشرعية، وذلك طبيعي، إلا أن البعد عن دعم الشرعية في هذه المرحلة يصب في صالح الحوثي، الذي يحمل مشروعاً تابعاً ونكوصياً، وفي الوقت نفسه يحمل كل ما يكرهه اليمني العقلاني من عناصر، وقد يقذف باليمن كله، إن تمكن، إلى مكان ما قبل «عصر حميد الدين».
من هنا، تأتي دعوة هذه الشريحة النخبوية لأن يتمسكوا بالشرعية؛ لأنها عتبة نحو يمن حديث في المستقبل، لكن نقد نخبة المترددين في اليمن ليس كافياً لإكمال الصورة، فهناك أيضاً جهد حقيقي يجب أن تبذله الشرعية من الآن لرسم صورة اليمن المرجو في المستقبل.
مشروع الدولة الجديدة التي هي تعددية، ويتساوى فيها المواطنون، وتُوزع فيها القوة السياسية والاقتصادية بين المناطق والمجموعات، وتضع اليمن على باب الحداثة، أي دولة وطنية مدنية وحديثة، يحتاج إلى جهد فكري وسياسي، توقيته اليوم، لا الأمس، ويجب ألا يؤجل إلى الغد.
هذا المشروع يوضع أمام اليمنيين كنقيض واقعي لمشروع الحوثي، الذي هو بطبيعته نكوصي، ينزع إلى الخلف، أكثر مما ينظر إلى الأمام، وفي الوقت نفسه، هو إلحاق بمشروع يتهاوى كورق الخريف في مكانه الأصلي، أقصد مشروع ولاية الفقيه، الذي لم يعد مقنعاً على الإطلاق للنخب الإيرانية التي أيدته في البداية.
أي محبٍّ لليمن في الداخل والخارج، يجب أن يعمل لتكون هذه الحرب المشتعلة هي آخر الحروب، وألا تترك ذيولاً لها، في إطار حلول وسطى، تؤسس لصراع أو صراعات جديدة. ويجب أن يتخلى البعض عن طموحاته الشخصية والمحدودة، في سبيل وطن يمني حر، وربما سعيد! فكل الطامحين على مر الخمسين عاماً الماضية، قد مضوا، وبعضهم مضى بشرّ قِتلة، لكن اليمن بقي.
فهل تتفهم النخب اليمنية دورها التاريخي اليوم، أم تلحق بالفشل الذي أصاب مشاريع يمن عبد الفتاح إسماعيل وعلي صالح وحميد الدين؟!
آخر الكلام:
من طرائف الريحاني في «ملوك العرب»، أن ممثل الإمام حميد الدين في عدن، القاضي عبد الله العرشي وقتها (1920) زوّده بخطاب توصية إلى صنعاء قال فيه إن السيد أمين الريحاني… إلى آخره… فسأله، كما قال السيد الأمجد علي ابن الوزير أمير جيش الإمام في لواء تعز، عندما قرأ تعريف «السيد» في الخطاب: «هل أنت حَسني أو حُسيني؟»، فارتبك قليلاً، ثم رد أحد النبهاء: «إنه من سادة لبنان!!».
يبدو أن التاريخ يكرر نفسه، بعد مائة عام، للأذكياء فقط!