قراءة عربية في نتائج الانتخابات التركية
كنت في تركيا الأسبوع الذي سبق الانتخابات. جزء من الرحلة للاطلاع عن كثب، ومن خلال أصدقاء، على سير الانتخابات التاريخية، التي سوف تحول تركيا من مسار في الآليات الديمقراطية إلى مسار آخر مختلف يأخذ تركيا في طريق معاكس لجمهورية أتاتورك. مظاهر الاحتياط واضحة للعيان، بسبب الأحكام العرفية، فحتى مداخل الأسواق الشعبية محروسة من رجال مسلحين، وعلى مقربة من أماكن التجمعات تظهر السيارات المصفحة، إلا أن الحياة في العاصمة التجارية الأكبر، إسطنبول، تبدو عادية. لم أحصل على أقوال يقينية حتى قبل أيام من يوم الانتخاب الكبير، عن كيفية سير التصويت أو احتمالاته. أكثر من التقيت اعتقدوا أن جولة ثانية لا بد قادمة بين السيد رجب طيب إردوغان، وربما أقرب المنافسين له محرم إنجه مرشح الائتلاف المنافس، كان لديّ تحفظ عن بعض سياسات السيد إردوغان، الذي نشط في الأيام الأخيرة للفت النظر إلى إنجازاته، إلى درجة أنه حط بطائرته، يصحبه رئيس الوزراء، في المطار العالمي الجديد لإسطنبول، قبل افتتاحه بثلاثة أشهر، لجلب ضوء إعلامي على معلم من منجزاته. تحفظي عن سياسة إردوغان، ليس شخصياً. كانت وما زالت مسطرتي هي فهمي للمصالح العربية العليا، وهنا ورقتان مهمتان وأساسيتان، بجانب أوراق أخرى؛ أولى الأوراق هي العلاقة اللصيقة بالنظام الإيراني. رأيي أن النظام الإيراني (لا الشعب) يلعب دوراً تخريبياً في الجوار العربي من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وفي أماكن أخرى أيضاً، وهذا الدور الإيراني، وإن برره الإيرانيون ومناصروهم بعدد من التبريرات، فإنه في نظري، وربما في نظر كثير من العرب، يسير ضد مصالح العرب، خاصة أولئك الذين يرون في التجربة الإيرانية، حتى في الداخل، أنها تجربة فاشلة بكل مقاييس الحياة السياسية الحديثة، أي حكم رجال الدين المطلق. العلاقة التركية مع إيران ملتبسة، فهي معتمدة على تبادل تجاري واسع ومصالح سياسية، الاستفادة التركية منها واضحة، فهي تستورد الطاقة من إيران، وتحول إيران المبالغ التي تحصّلها (في أوقات سابقة من مرحلة المقاطعة الدولية الأولى) قبل الاتفاق النووي عام 2015، إلى ذهب، ثم تحمله إيران إلى دول أخرى وتبيعه لجلب عملة صعبة، تفاديا لقواعد حصرية للمنظومة المصرفية الدولية لمنع التعامل المالي مع إيران، وقد وصل الميزان التجاري الإيراني مع تركيا إلى قمته في عام 2012، إذ بلغ 14 مليار دولار، تراجع بعدها قليلاً، إلا أن المتغير الجديد في هذا الملف، هو إعلان رئيس الولايات المتحدة عن سياسة العقوبات ضد إيران يوم 8 مايو (أيار) الماضي، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. العقوبات سوف تطبق على إيران، وعلى كل دولة أو شركة تتعامل مع إيران، كما ورد في تصريح الرئيس الأميركي، وكان رد تركيا الرسمي بعد ثلاثة أيام فقط من الإعلان، وجاء على لسان وزير الاقتصاد التركي في 11 مايو، أن بلاده سوف تواصل التجارة مع إيران قدر الإمكان، ولن تستجيب لأي كان بهذا الخصوص، وعند انتهاء مرحلة الإنذار التي حددتها الولايات المتحدة في 6 أغسطس (آب)، والمرحلة الثانية في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، فسوف تجد تركيا نفسها بين الاستمرار في التعاطي التجاري، ومن ثم السياسي مع إيران، أو تستجيب إلى مطالب حليفتها، التي يبدو أنها قررت استرضاء أنقرة من خلال عدة طرق؛ إطلاق يدها في الشمال السوري، والسماح بتسليم طائرات حربية متقدمة هي إف 35. العلاقة التركية الإيرانية أكثر تعقيداً من التبادل التجاري، فالدولتان تتشاركان مع روسيا في تدبير، وربما تدمير، المسرح العسكري والسياسي في سوريا، وقد تلجأ إيران، إن استطاعت، إلى عرقلة الجهود العسكرية لتركيا في الشمال السوري والعراقي أيضاً! هذا الملف بديناميكياته، سوف يؤثر في مستقبل العلاقة بين تركيا وكثير من الدول العربية، وأيضاً حليفتها الكبيرة الولايات المتحدة، والمناورة السياسية في هذا الملف لا يمكن أن تستمر طويلاً، بوضع رجل هنا وأخرى هناك، كما تعود السيد إردوغان في ملفات أخرى. الورقة الثانية، التي أتحفظ عن مسارها، هي الموقف (شبه الانتهازي) مع إسرائيل، فقد قررت تركيا سحب سفيرها من واشنطن بعد أن قررت الإدارة فتح سفارة لها في القدس الغربية، بعد أشهر قليلة أعيد السفير! وتم سحب السفير التركي من إسرائيل (سياسياً) مع استمرار وثيق في المجال التجاري! هذه الورقة (فلسطين) تستخدمها كل من تركيا وإيران مناورة من أجل إلقاء كثير من الضباب على الموقف العربي أولاً، ومحاولة استثمار عواطف بعض العرب وبعض البسطاء في ملف لا يحتمل المناورة أو المزايدة! لأنه لعب سياسي في ورقة لها أهمية قصوى لدى العرب. هاتان الورقتان في تحفظي لا تخفيان أخريات، منها الطريقة التي تتعامل معها السلطات التركية مع مخالفيها، وخاصة السلميين، فتركيا اليوم وتحت طائلة قانون الطوارئ، تحتجز أكبر عدد من الصحافيين وأصحاب الرأي خلف القضبان! وهذا يؤسس لمثالب في الديمقراطية التركية! مع التحفظات السابقة، فإن من يقرأ برامج الأحزاب المنافسة، فسيستدعي القول الشعبي الخليجي (احتفظ بمجنونك لا يجيك أجن منه) فتلك البرامج تدعو إلى التطبيع مع النظام السوري، وإرسال المهجرين السوريين (إن لزم بالقوة) إلى بلادهم، فضلاً عن مصفوفة أخرى في السياسة الخارجية، قد تقلب منطقة الشرق الأوسط رأساً على عقب. تقديري أن الذين صوتوا للسيد إردوغان ثلاث شرائح؛ شريحة مؤمنة بسياساته، والثانية ترغب في الاستقرار، والثالثة ربما جزعاً من برنامج المعارضة!
الملفات المستقبلية أمام السيد إردوغان ليست سهلة أو هينة، هي تتمثل أولاً في الاقتصاد الذي يلحظ تراجعاً يظهر في سعر الليرة التركية، كما أن ملف الأكراد، الذي يشكل وصول حزبهم إلى سدة البرلمان، يعد صداعاً لإدارة إردوغان، وفي بعض جوانبه نزيفاً للجهد الوطني، وكان قد سربت أحاديث قبل الانتخابات لمجموعة من حزبه، بمحاولة منع وصول حزب الشعوب (أكراد) إلى البرلمان. وعلينا أن نذكر أن الفوز الأخير، كان بتحالف مع حزب الحركة القومية، وهو حزب يميني قومي تركي، ولم يكن حزب العدالة والتنمية ببعيد كثيراً عن طروحات قومية تركية، بل إن السيد إردوغان نفسه يستخدم عبارات وأفكاراً قومية تركية لتأجيج شعور الأتراك القومي العميق، لا أعتقد أن عاقلاً يقبل أن يعترض على مسيرة السياسة في تركيا من خارجها، يمكن أن يقدم رؤية أو تحليلاً، ولكن الاعتراض واجب على فهم بعضنا من العرب، أن إردوغان وحزبه يمثل (النجاح الأوفى) للإسلام السياسي!، إن صح التعبير، رغم تحفظي عن المفهوم. هذا الاستقبال المرضي لبعض العرب في الأيام اللاحقة لظهور النتائج الانتخابية في تركيا، وتوصيفه بأنه انتصار لآيديولوجيا متكاملة من الإسلام السياسي، يثير عجب العاقل وهو تضليل للعقول وجب التنبيه إليه، فالتجربة التركية، كما ردد إردوغان نفسه مراراً، علمانية المظهر والمخبر، أي تأخذ بالوسائل الحديثة للإدارة في السياسة وفي الاقتصاد والتنظيم، والشعب مسلم، ولا تناقض في ذلك. الإشكالية هي أن يتم خلط الاثنين معا في عقول البعض من أجل الترويج السياسي غير الناضج، وهي من قبيل تضخيم الوهم القائل إن سلطاناً جديداً قادم!! أحد المخاطر الكبرى أن يعتبر السيد إردوغان أن نتائج الانتخابات هي تفويض كامل له، ذلك يؤسس لشعبوية قد تقود التجربة التركية كلها إلى طريق مسدود.
آخر الكلام: الشعبوية السياسية قد تقود إلى نجاح في صناديق الانتخاب، ولكنها تؤسس لشجار مع الجوار قد لا تحمد عقباه.. سلسلة من تاريخ الشعبوية السياسية في منطقتنا تذكرنا بتلك الحقيقة!
جرانولا بار الصحّي
المجلس الفقهي في عمر بن الخطاب
قصيدة للشاعر مجلّي القبيسي
الشاعر مجلي القبيسي يقول اخو رضوان ناديت الزمن يوقف قليل
إبحار في روحانية جبران خليل جبران
الكاتب والقس تشاندلر: كتابي إبحار في روحانية جبران خليل جبران
يرى أن فلسفته تتوافق مع نظرة الشباب للعالم اليوم
نقل عن جريدة: “الشرق الأوسط”.
لندن: جوسلين إيليا
بول غوردون تشاندلر، مؤلف وأمين معارض فنية، وهو قس أيضاً، عرف بدعواته للحوار بين الأديان. ولتحقيق هذا الغرض، أسس ورأس منظمة «كارافان للفنون الداعمة للسلام»، وهي منظمة غير حكومية، تستخدم الفن، كما هو واضح من اسمها، أداةً لبناء جسور بين الشرق الأوسط والغرب. وقد قضى بول الجزء الأكبر من حياته في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ مما جعله مهتماً بالعلاقات بين المسلمين والمسيحيين. وقد أصدر تشاندلر حديثاً كتاباً يتناول فيه جبران خليل جبران حمل عنوان «بحثاً عن نبي: رحلة روحانية مع خليل جبران». هنا حوار معه:
• تصف عملك بأنه «بناء السلام بين معتقدات وثقافات الشرق والغرب من خلال الفنون. كيف تمكنت من تحقيق ذلك في كتابك الجديد عن خليل جبران «بحثاً عن نبي»؟
– كتابي هو رحلة وإبحار في حياة وأعمال وروحانية خليل جبران، محاولاً استكشاف تأثير طفولته ونشأته، ومتتبعاً مسار حياته، وكيف وصل إلى تلك الحالة من التقبل الكوني والاحتواء للأطياف والأشكال كافة.
لقد اكتشفت أن خليل جبران شخصية مميزة تجمع بين الشرق والغرب؛ لذا يمكن الاسترشاد بشخصيته الفريدة وسيرته في زمننا هذا فيما يتعلق بالسلام والتناغم، وبناء الجسور بين ثقافات ومعتقدات الشرق والغرب. كذلك، هناك علاقة بين حياته ونهجه وأعماله، والكثير من الموضوعات المهمة في يومنا هذا، مثل سعيه لتجسير الهوة بين المعتقدات والثقافات المختلفة، والاهتمام بالبيئة، والمساواة بين الجنسين، والاهتمام بالروحانية، والهجرة، ووضع اللاجئين، والصراع في منطقة الشرق الأوسط.
وتم تسليط الضوء على هذا من خلال معرضين فنيين مهمين لبناء السلام أقيما في البحرين ومصر لعرض أعمال 36 فناناً معاصراً من الشرق الأوسط مستلهمة من رسالة السلام والتآلف التي حملها جبران. من المقرر دمج الأعمال الفنية التي تم تقديمها في المعرضين في معرض واحد أكبر يتم إقامته في دار «سوثبيز» بلندن في الصيف المقبل خلال الفترة من 6 حتى 10 أغسطس (آب) 2018.
• تم التركيز في كتاب «بحثاً عن نبي» على الجانب الروحاني لجبران. هل كان من الصعب إماطة اللثام عن أسرار روحانية جبران؟
– نظراً لوجود الكثير من الكتب التي تناولت سيرة جبران، أردت الغوص بشكل أعمق في التكوين الروحاني الداخلي له، والانغماس في كتاباته والبيئات التي شكلته. ساعد ذلك في أن تخرج أعماله إلى الحياة بالنسبة لي فقد كانت روحانيته منسوجة ومتغلغلة في كل ما فعله. بشكل أكثر تحديداً، لقد سعيت وراء فهم ما أدى إلى تحوله من شخص مولود في مجتمع مسيحي طائفي غير متسامح في ذلك الوقت إلى شخص متسامح متقبل لكل ما في عالمنا؛ مما جعله مقبولاً لدى الجميع. دفعني هذا إلى أن أجوب المتاحف والمعارض الفنية، والكنائس، والمساجد حول العالم، وكذلك إلى تأمل الثورات والثورات المضادة، كما أنه قاد خطاي نحو نقاط تأثير يصعب الوصول إليها ذهبت إليها كتاباته وأعماله الفنية.
لقد بدأت بقرية بشري حيث ولد، التي تقع في مكان مرتفع في قلب جبال لبنان المغطاة بالثلوج، ثم إلى بوسطن حيث هاجر هو وأسرته، وباريس حيث كان يتدرب على الفن، ونيويورك حيث قضى الجزء الأكبر من حياته المهنية، وصولاً إلى المكسيك في متحف «سمية» الذي يحتوي على أكبر مجموعة من أعمال جبران الفنية والأدبية في الغرب. وكذلك، ذهبت إلى الكثير من الأماكن الواقعة بين نصفي الكرة الأرضية مثل القاهرة في مصر، حيث تم نشر أكثر كتاباته باللغة العربية في الشرق الأوسط للمرة الأولى، ومدينة سافاناه في ولاية وجورجيا، حيث متحف «تيلفير»، الذي يضم أكثر أعماله في الولايات المتحدة الأميركية، ومدينة ديترويت، حيث «المتحف العربي – الأميركي الوطني» الذي يركز على إرثه، فضلاً عن أماكن كثيرة أخرى حول العالم توجد بها آثار، أو شوارع، أو مدارس، أو متنزهات تحمل اسمه.
• يضعك عملك في بناء السلام وسط تنوع عرقي وديني هائل يكون أحياناً دقيقاً وحسّاساً للغاية. فيما يتعلق بجبران، ما العقبات المماثلة التي واجهتها أثناء تأليفك الكتاب، وكيف تغلبت عليها وتجاوزتها؟
– بصراحة كانت أكبر عقبة واجهتها عند تأليفي للكتاب هي انتقاء أجزاء من مادة علمية هائلة متاحة عن جبران، واختيار ما ينبغي التركيز وتسليط الضوء عليه وهو عمق رحلته الروحانية.
تناول جبران الكثير من المسائل والأمور الحسّاسة في كتاباته، لكنه فعل ذلك بإبداع وشاعرية وبطريقة تحفز التأمل العميق، وتلهم القرّاء، وتحثّهم على الارتحال في قلب العالم الروحاني. وقد ساعدت الصور التي رسمها جبران من خلال أشعاره، وعمق حكاياته الرمزية وأمثولاته في كسر الحواجز، وجذبنا نحو ما أطلق عليه «أنفسنا العليا». لم يكن لدي أدنى فكرة عن مدى تأثيره على مستوى العالم، سواء من حيث انتشاره جغرافياً، أو مدى تنوع واتساع الفئات والجماعات التي تعرفه. فوجئت أثناء إقامتي وعملي في الشرق الأوسط بمشاعر الحب والإعجاب الفيّاضة تجاه جبران في أنحاء الشرق الأوسط ومناطق كثيرة من الغرب؛ فهو مدعاة فخر الشرق ومثار إعجاب الغرب؛ لذا كان شخصية تجمع وتوحد، حتى أن كل جماعة يمكن تصورها أياً كان دينها تتبارى على نسبه إليها. أعتقد أن هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الاستماع إلى الأصوات التي تدعونا إلى الوحدة والاحترام، والاتجاه نحو العيش بعمق وكرم فكراً وقولاً وعملاً فيما يتعلق بالآخر أياً كانت هويته؛ وما جبران سوى ذلك الصوت، حيث تقدم لنا تبصراته العميقة في زمننا هذا حكمة وإرشاداً نحن في أمسّ الحاجة إليهما، وهذا هو سبب تأليفي الكتاب.
• وصفت عملك بين معتنقي الأديان المختلفة، وبخاصة بين المسيحيين والمسلمين بأنه «البناء على الجانب المظلم من القمر». هل لك أن توضح لنا معنى هذه الصورة، ودور الفن في هذا الأمر تحديداً؟
– أنجح طريقة في تجربتي لبناء علاقات يسودها السلام والوئام هي الاستناد إلى الأمور المشتركة التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين. تعجبني صورة «البناء على الجانب المظلم من القمر»؛ لأني أرى الهلال الرفيع من القمر، وهو أحد رموز الديانة الإسلامية، باعتباره الجزء الذي يمكننا رؤيته من القمر بسبب انعكاس ضوء الشمس، لكن عندما ترى هلالاً، يكون الجزء الأكبر من القمر مظلماً؛ لذا شبهت هذا الهلال الرفيع بالأمور المختلفة بيننا، والجانب المظلم الكبير (الجزء الأكبر من القمر) بالأمور المشتركة. من المهم بناء علاقاتنا على «الجانب المظلم من القمر». كثيراً ما تعمي الإضاءة المستمرة لاختلافاتنا أبصارنا إلى حد لا نستطيع معه رؤية كل ما يجمعنا من أمور مشتركة.
• لم يكن يُعرف عن خليل جبران ارتباطه بعلاقات وثيقة بشخصيات دينية، لكنك قسّ أسقفي، تمكنت من الوصول إلى تأويل روحاني رائع للكاتب، كيف فعلت ذلك؟
– قضيت الثمانية عشر عاماً الأولى من عمري في السنغال في مجتمع ذي أغلبية مسلمة، وجعلتني نشأتي في أسرة مسيحية تنتمي إلى الأقلية متحمساً تجاه بناء الجسور مع أخوتي المسلمين، وأخواتي المسلمات الذين كنت أعدهم من أصدقائي المقربين منذ البداية. وقد وجدت في جبران رفيقاً روحانياً يسعى وراء الهدف نفسه، كما توضح كلماته بشدة: «إنك أخي وأنا أحبك. أحبك وأنت تتعبد في كنيستك، أو تجثو على ركبتيك في معبدك، أو تصلي في مسجدك. أنا وأنت أبناء دين واحد لأن مسارات الدين المختلفة ما هي إلا أصابع ليد القوة العليا المحبة الممتدة إلى الجميع والتي تقدم كمال الروح إلى الجميع، وتود استقبال الجميع» (من كتاب «دمعة وابتسامة»، فصل «صوت شاعر»).
تناولت كتابات جبران في بداية مسيرته المهنية الظلم والنفاق الذي لمسه لدى الشخصيات والرموز الدينية في شبابه؛ مما أدى إلى تهديده بالحرمان الكنسي. مع ذلك، بمرور الوقت أصبحت نبرته أقل حدة، وتحولت نحو النهج الشمولي المتقبل، لكن المفارقة أنه قد تم تكريمه من كل الأديان في نهاية حياته، واستقبال جثمانه بالترحاب في وطنه لبنان كابن شهير محتفى به. وقع على كاهل جبران العثور على سبيل لتوصيل نسخة غير طائفية من الروحانية.
• هل تعتقد أن جبران قادر على جذب الجيل الجديد من الشباب، وإذا كان الأمر كذلك فما السبب في ذلك برأيك؟
– أعتقد أن أكثر الشباب قد نشأوا في مجتمعات تتسم بالتعدد والتنوع، وكوّنوا صداقات تمثل بشكل تلقائي وعفوي جسراً عابراً بين الانقسامات التي عادة ما تكون نظرية بطبيعتها بالنسبة إلى جيل الآباء والأجداد. لذا؛ أعتقد أن نظرة جبران للعالم ذات الطابع الكوني الشمولي وفلسفته تتوافق مع نظرة الكثير من الشباب للعالم اليوم، لكنهم لا يعرفونه. ومن الأسباب التي دفعتني إلى تأليف هذا الكتاب هو تعريف الجيل الجديد بجبران؛ وقد أهديت الكتاب إلى طفلي الاثنين.
من المؤكد أن الانتباه إلى حكمته سوف يساعد كثيراً في شفاء عالمنا اليوم، في زمن أصبح فيه من الصعب الإصغاء إلى أصواتنا الداخلية، وأرواحنا، أو حتى احتياجاتنا الروحية، يقدم جبران نموذجاً لشخص شيّد غرفة للصمت من أجل الإصغاء إلى وكز روحه الهادئة بنية السماح للحظات السعادة والشقاء في حياته بالامتزاج معاً مكونة صوتاً واحداً، وهذا هو «الصوت داخل الصوت» الذي أراد جبران أن يسمعه قراؤه عند قراءة كتاباته.
• لقد زرت لبنان، وتحديداً بلدة ومسقط رأس جبران. ما ذكرياتك عن هذه الزيارة، وهل ساعدتك في فهم الشاعر بشكل أفضل وأعمق؟
– لبنان من الأماكن المفضلة لي والمحببة إلى قلبي في العالم، حيث يمثل شعبه وطعامه وتاريخه وجماله مصدر إلهام لي في كل مرة أزوره فيها. لقد بدأت رحلتي في بلدة بشري، ونفخت تلك الرحلة الحياة في الكثير من الصور التي نجدها في كتابه الشهير «النبي»، مثل الجبال، والقرويين، والحكماء، وثروة جمال الطبيعة. وعلى الرغم من أنه عاش اثني عشر عاماً فقط من حياته وسط هذه الجبال الساحرة، مثلت تلك الفترة أساس جانبه الروحاني، ونظرته للعالم حتى نهاية حياته. على عكس الأجواء الهادئة الرائعة المحيطة به، ولد جبران لأسرة مسيحية مارونية إبّان فترة سادتها الاضطرابات والصراعات السياسية والدينية، وكذلك كانت من الفترات التي هيمن فيها فساد السلطة الدينية خلال النصف الثاني من حقبة الاحتلال العثماني، الذي دام 1400 عام، وكان لكل تلك الظروف تأثير على حياته وأعماله لسنوات.
عندما بلغ جبران الثانية عشرة من العمر هاجر مع أسرته إلى أميركا، وهناك قضى فترة مراهقته وبلوغه كمهاجر. من المثير للاهتمام اكتشاف جبران امتلاكه حرية الكتابة على نحو لم يكن ليتاح له في العالم العربي آنذاك. وكان قادراً بفضل خلفيته المتفردة المميزة على تحقيق الالتقاء بين الشرق والغرب الذي كان تجسيداً له، واستكشاف وحدة البشر والتحول إلى جسر طبيعي حي بين المعتقدات والثقافات المختلفة. كما قال كلود براغدون، المعماري والكاتب الأميركي البارز، وصديق جبران المقرب عنه: «تنبع قوته من مخزون هائل من الحياة الروحية، الذي لولاه لما كان عالمياً وقوياً إلى هذا الحد. لكن جمال وجلال لغته التي كانت تكسو تلك المعاني نابعان من هبة متفردة تمتع بها».
إيلان بابيه «يفكّك» أوهام إسرائيل وخرافاتها
نقل عن: جريدة “الشرق الأوسط”
كتاب جديد للمؤرخ الإسرائيلي
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت) ومكتبة كل شيء (حيفا)، صدرت النسخة العربية من كتاب «عشر خرافات عن إسرائيل» للبروفسور والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، نقلته إلى العربية الباحثة والمترجمة الفلسطينية سارة ح. عبد الحليم.
في «عشر خرافات عن إسرائيل»، يفنّد إيلان بابيه جملة من الأفكار المتنازَع عليها أو الخرافات، كما يصفها، المتعلقة بأصول دولة إسرائيل وهويتها، متصدياً لعشر خرافات، تبدو في الخطاب الإسرائيلي السائد ثوابت غير قابلة للطعن؛ وهي خرافات تبنّتها الماكينة الإعلامية ودعمتها المؤسسة العسكرية ورددتها النخب السياسية والأكاديمية في إسرائيل على نحو مضلِّل، لتشكل هذه الخرافات الأساس الذي تستند إليه ممارسات دولة الاحتلال، ممعنة في تكريس سياساتها الاستيطانية الاجتثاثية القائمة على طرد سكان البلاد الأصليين، أي الشعب الفلسطيني، ومواصلة ممارساتها العنصرية بحقهم، وبالتالي إطالة أمد الصراع.
من بين الخرافات التي يعاينها بابيه في كتابه، الادّعاء الذي لا تمل المؤسسة الإسرائيلية الرسمية تكراره بأن فلسطين كانت أرضاً خالية حين صدر وعد بلفور، كما يقارب المؤرخ المعروف بمواقفه المناهضة لإسرائيل، الصهيونية وعلاقتها باليهودية، والعلاقة بين الصهيونية والاستعمار. كذلك يفنّد بابيه الطرح الذي يتم الترويج له عبر قنوات المؤسسات الرسمية لدولة الاحتلال، العسكرية والإعلامية والأكاديمية، بأن الفلسطينيين غادروا أرضهم في عام 1948 طوعاً، وبأن حرب 1967 فُرضت على إسرائيل.
ويسعى بابيه إلى تفكيك الخرافة بأن «إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، ويستجلي أيضاً الأسباب الفعلية لفشل اتفاقية السلام مع الفلسطينيين، والدوافع الحقيقية وراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، قبل أن يخلص إلى أن حلّ الدولتين لم يعد قائماً أو قابلاً للتحقيق.
يعد إيلان بابيه أحد أبرز باحثي ومؤرخي التيار الجديد المعروف بـ«المؤرخين الجدد»، الذين أعادوا كتابة تاريخ إسرائيل وتاريخ الصهيونية. وهو يعمل أستاذاً في كلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية في جامعة إكستر ببريطانيا، ويدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في الجامعة. من أشهر مؤلفاته «التطهير العرقي في فلسطين»، و«فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة»، و«الفلسطينيون المنسيون: تاريخ فلسطينيي 1948».
أما سارة ح. عبد الحليم، فهي باحثة ومترجمة من فلسطين، حائزة على شهادة ماجستير الفلسفة في دراسات الشرق الأوسط الحديث من جامعة أكسفورد ببريطانيا. تترجم عن الإنجليزية والإسبانية والتركية. من أعمالها المترجمة عن الإنجليزية كتاب «وسطاء الخداع: كيف قوّضت الولايات المتحدة الأميركية عملية السلام في الشرق الأوسط» لرشيد الخالدي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2015). كما نشرت عدة ترجمات عن الأدب الإسباني في صحف ومجلات ثقافية عربية.
يقع الكتاب في 232 صفحة من القطع الكبير.
المعجزة الإلهية رحلة الإسراء والمعراج
صورة من التاريخ
فارس الخوري
الأستاذ الجامعي الذي قبّل يدَ تلميذه المُلَوّثة بالفحم
هو رئيس مجلس الأمن الدولي عام1947 وأول ممثل دائم لسوريا في الأمم المتحدة ، كان وزير اً للمالية والداخلية والمعارف وترأس المجلس النيابي ومجلس الوزراء ،وهو المدافع الشرس في الأمم المتحدة عن إستقلال سوريا عن فرنسا وحادثة جلوسه الشهيرة مكان المندوب الفرنسي الذي استشاط غيظا منه حتى رد عليه ذالك الرد التاريخي : إنك لم تتحمل ان اجلس على طاولتك لنصف ساعة كيف تقبل ان تجلس جيوشك في بلدنا مايزيد عن خمس وعشرون عاماً … ونال اثرها على قرار استقلال سوريا وخروج الانتداب الفرنسي
و يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق، فما كان منه إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى منبره, وقال:
“إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله”
فأقبل عليه مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلا وخرج أهالي دمشق المسيحيين يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون لا إله إلا الله ….
لم يكونوا مسلمين ولا مسيحيين ولكن كل أبناء الوطن, ان موقف فارس الخوري الرافض للاحتلال الفرنسي واتخاذ حماية اقلية او طائفه ذريعة للتدخلات الخارجية
وهو مؤسس معهد الحقوق العربي ،وساهم في تأسيس المجمع العلمي العربي ،ولكن الأغرب في مسيرته أنه أستلم مهمة وزير الأوقاف الإسلامية ،حيث دافع عنه النائب عبد الحميد الطبّاع آنذاك قائلاً :
“إننا نؤمن بك على أوقافنا ،أكثر مما نؤمن أنفسنا ”
وفي إحدى محاضراته التي كان يلقيها في جامعة دمشق ،دخل طالبٌ متأخراً عن المحاضرة ،فسأله عن سبب تأخره ، ولكن الطالب ارتبك وتقدّم من المنصّة ليشرح للأستاذ بأن سبب تأخره ،هو أنه يشتغل فحّاما في الليل ليحضر المحاضرات في النهار ..عندها أمسك الأستاذ بيد الطالب وقبلها أمام الطلبة !
إنه الرمز السوري المضيئ ، إنه انموذج للانسان المسؤول والساعي الى خدمة المجتمع الانساني بمعزل عن دينه :
انه المرحوم … فـــارس الــخــوري